.. حين يتقاعد النبلاء!

يمثل التاريخ 1/7 (غرة رجب) حدثاً مهماً للسعوديين، فهو اليوم الذي ولدوا فيه - على الأغلب - وهو كذلك اليوم الذي يتقاعدون فيه من وظائفهم الحكومية - أيضاً على الأغلب.
***
وغداً الموافق 1/7/1431هـ يتقاعد عددٌ لا أعرف مقداره من الموظفين، لكنني أعرف واحداً منهم أعتز بمعرفته بالغ الاعتزاز كما أنا معتز بزمالته خلال سنواتٍ من العمل في وزارة التربية والتعليم، ذلكم هو الأخ الفاضل الدكتور محمد بن سليمان الرويشد وكيل الوزارة للتعليم وهو بحق أخ كريم وزميل فاضل وصديق حبيب، وأنا إذ أكتب عنه في هذا اليوم الذي يترجل فيه عن الموقع الذي تسنمه وقدّم فيه خلاصة جهده وجهد إخلاصه فإنني أقدم لهذا الرجل بعض حقه من الشكر والثناء وأقدمه للقراء ورموز المجتمع ليتعرفوا - لمن لم يعرفه - على واحد من رموز التربية وأعمدة التعليم في وزارتنا الأثيرة .. حين جئت للوزارة قبل عشر سنوات من اليوم رأيت فيها رجلاً يحبه كل الناس ويأنسون به وله، ولم أجد مع الأيام أحداً لا يودّه أو يذمه ثم عرفته عن قرب وعملت معه فتعرفت على معدن أصيل وجوهر نبيل متّع صاحبه بنفس طيبة متسامية وخلق رفيع يغبطه عليه الجميع.

#2#

والواقع أنني بهذه الكلمات في حق الدكتور محمد الرويشد أعبر عن مشاعر مئات بل آلاف الرجال الذين عرفوا هذا الرجل وتعاملوا معه تعاملاً ممتداً أو عارضاً فاتفق رأيهم في الثناء خيراً عليه، وأرصد هنا بعض ما يميز هذا الإنسان، منها أنه شخص سوي بما تعنيه الكلمة من جمال، متوازن متسق مع نفسه ومع الواقع من حوله لا يتكلف ولا يتصنع وهو شخص لا تغيره المناصب كما تفعل بالآخرين، لا يتكلف سلوكاً يعامل به الرؤساء وآخر للمرؤسين لطيف مهذب مع الجميع بشوش متواضع للجميع، وفي التعامل مع الزملاء هيّن ليّن لا يعقد الأمور ولا يعيد المعاملات إلى أصحابها من مديري العموم إلا ما لا يسوغ تمريره، وهو لينٌ ليس على حساب الأنظمة ولا يتعارض مع المصلحة ولا يضيع الحقوق الخاصة أو العامة، وفي تعامله مع الزملاء القريبين منهم أو البعيدين (في الميدان) لا يقدم في المواقف والأحكام سوء الظن على إحسان الظن بل لا يذهب إليه أبداً ما دام في الأعذار متسع وكلٌ يرى الناس بعين طبعه، وفي آخر أيامه في الوزارة حاولت أن أتلمس في أدائه أو نفسيته تغيراً أو تأثراً فلم أر إلا إنساناً سويّاً كما أسلفت يمارس مسؤولياته بكل إخلاص وتفان ويتم أعماله بالتجويد والإحسان ويعمل بلا كلل أو تراخ تحت مبرر قرب التقاعد فكنت أراه يعمل وكأنه يبقى أبداً حتى أنه في آخر اجتماع للوكالة كان يناقش الموضوعات المطروحة ويعلق عليها بأسلوب جسّد فيه قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم – «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة يريد أن يغرسها فليغرسها»، وكذلك كان أبو خالد، والأسبوع الماضي شارك في لقاء قادة العمل التربوي التاسع عشر في الخبر فقدم ورقة ورأس جلسة وتفاعل مع الأحداث بروح لم تذبل ووهج لم ينطفئ وقد أشاد به في اللقاء سمو الوزير الأمير فيصل بن عبد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وأمس السبت يجمعنا أبو خالد ليقدم لنا الوكيل الجديد الدكتور عبد الرحمن البراك ويكرم الجميع بشهادات تقدير ترمز لما في قلبه من نبل وكرم ثم يختم الجلسة بالمسك أو ما هو أحلى وأغلى من المسك حين يقول بكل أريحية ونفس سليمة وقلب كريم: إنني قد سامحت كل من أساء أو أخطأ في حقي بقصد أو بغير قصد - ويكررها - ويؤكد أنه لا يحمل على أحد أبداًَ وأنه قد سامح الجميع، إنه القلب السليم وإنها النفس الطيبة التي أنعم الله بها على هذا الرجل فلله ما أجمله ولله ما أسعده بهذا القلب الطيب النقي وهذا الخلق الأسمى، وليهنأ بقوله - صلى الله عليه وسلم - «إن من أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون».
* **
الموظف محمد الرويشد تقاعد .. أما الرجل النبيل والإنسان الفريد محمد الرويشد فلا يتقاعد أبداً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي