كنت في حفل ضخم لتوزيع جوائز مختصة في أحد القطاعات الاقتصادية، حيث نالت إحدى الشركات أكثر من 20 جائزة من إجمالي الـ 44 جائزة التي وزعت في تلك الأمسية. اللافت أن أفراد الشركة صاحبة الحظوة الكبرى قد أصابهم الإنهاك من كثرة الصعود والنزول من المنصة, إلى درجة أن مقدم الحفل عرض, بعد الجائزة الحادية عشرة, أن يبقى مدير الشركة على المنصة توفيرا للوقت والجهد. طبعا التصنيفات التي شملتها الجوائز كانت عديدة بحيث إنه من الصعب التفريق بين خصوصية الكثير منها. الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول لمن ولماذا تعطى هذا الجوائز؟ وما الإضافة التي يمكن أن تقدمها لقطاع الأعمال؟ ومن هي الجهة التي تقوم بتقييم استحقاق البعض لأي جائزة؟
من بين التبريرات التي وردت في هذا الخصوص, أن الأمر بالدرجة الأولى يتعلق بالسمعة والكاريزما بالنسبة للشخص أو للشركة وهي ستستخدم في إضافة المزيد من الإنجازات في السير الذاتية. باعتبار أن وسائل الإعلام والدعاية استطاعت أن تجعلها تترافق مع مفهوم النجاح. أي أنه بحسب تقاليد أوساط المال والأعمال كثرة الجوائز والتصنيفات الجيدة هي مرادف للأوضاع الجيدة والإنجازات الكبيرة. وعادة ما يلحق إطلاق هذه التظاهرات تغطيات إعلامية. وتدور المناقشات حول تأهيل القوائم واختيار الفائزين وعن المعايير التي تراعى في الانتقاء. ويأتي الرد من الجهات المعنية, بأن اختيار القوائم يتم عن طريق لجنة منتقاة بعناية وأن التصويت يتم بشفافية كبيرة وأن هناك دراسة مستفيضة لكل ملفات المرشحين تراعي كل الجوانب المتعلقة بالمسيرة المهنية والعملية والمادية وحتى الاجتماعية. لكن ما فات الكثير من تلك اللجان وخصوصا تلك المسؤولة عن قائمة الثراء وقوة الشركات. والتي شاركت بعلمها أو بدونه (مع عدم تبرير تلك الخطيئة) في إلصاق شهرة مالية للبعض ممن لا يستحقها وأسهمت في خلق أزمات جديدة كان يمكن ألا تظهر. وتزامنت أوقات الطفرة والوفرة بتسارع مؤسسات ومجلات عالمية بتزويد الأسواق من وقت لآخر بقائمة أثرى أثرياء, لكن تبين, بعد مرور عقود على تلك التقييمات، إضافة إلى أزمة الاقتصاد الخانقة, تبين عدم صدقية جانب كبير من تلك التقديرات، حيث إن التركيز كان على الجانب اللامع من الصورة, الأرقام الفضفاضة والهلامية، وتم إغفال أي ذكر للديون المترتبة على بعض أصحاب تلك الثروات. الأمر الذي قوى المركز الائتماني للبعض وانتقل من بنك لآخر, للاستدانة بمليارات الدولارات بالاعتماد على صك الشهرة المالية الممهور من تلك المجلات أو المؤسسات. ما يثير الاستغراب, طريقة تصرف موظفي المصارف المدينة مع الوضع واكتفاءها بسحر بعض تلك الأسماء, رغم الأرقام المليارية التي كانت تطالب باستدانتها. اعتبارات السمعة نفسها بدأت تندرج أيضا على الشركات، فسابقا كانت قيمة رأسمال الشركة تقوَّم على أساس قياس موجوداتها: الاحتياطي البضاعي المادي مضافاً إليه المديونية, والأصول الأساسية من المعدات الصناعية والممتلكات التي يزيد عمر خدمتها على عام واحد).
لكن مظاهر الطفرة وبمساعدة وسائل الترويج, أضافت إلى قيمة الشركة جملة من العوامل المنتمية إلى ''العالم الافتراضي''، حيث صار الحديث يدور عن تقويم التوقعات الاستهلاكية المتكونة حول الشركة المعنية وعن آفاق حصولها على القروض من هذا المصرف أو ذاك, وعن سمعتها بين الموردين والزبائن وعن تقويمات نوعية موظفيها الذين يعيشون في الوسط المنافس المحيط بهم وما شابه ذلك. تشكل سمعة الشركة اليوم قرابة 82 في المائة من قيمتها السوقية. بالتالي يمكن التأثير في قيمتها السوقية هذه تأثيراً حاسماً بتنظيم تيارات المعلومات الملائمة عبر وسائل الإعلام وغيرها من القنوات لتغيير صورة الشركة بهذا الاتجاه أو ذاك.
إذا الأمور باتت تتخذ قراءات جديدة تراعي جوانب من زوايا مختلفة .ليس من الضروري أن تكون هذه الجوانب ملموسة بل يتم خلقها عن طريق افتراض توقعات مستقبلية.
إذا لم تعد صورة الأغلفة أحادية الصورة؛ التي تتلازم فقط مع معلومات الوفرة والنجاح والملاءة المالية, لم تعد مقبولة ويبدو أن تطور الأشياء يأخذنا إلى أن نتعامل مع الصور ثلاثية الأبعاد التي تقرأ كل الأوجه من أرباح وخسائر. وقد تصح إلى حد كبير مقالة الكاتب الاقتصادي ستيفن ليكوك: ''الدعاية هي علم تجميد الذكاء عند البشر لوقت يكفي لسحب أموالهم''.
