اتفاقية بازل 3 .. هل تدعم المؤسسات المالية الإسلامية؟

من المعلوم أن العالم اليوم وبعد الأزمة المالية العالمية أصبح ينظر إلى الاقتصاد العالمي بصورة أكثر شمولية، وبدأ يهتم بالأطراف المؤثرة في الاقتصاد العالمي، وضرورة مشاركتها في صياغة أنظمته والمساهمة في حل المشكلات المالية التي تمر بالعالم.
فبعد أن كان العالم يقتصر على اجتماعات لثماني دول تعد أكبر اقتصادات في العالم، وهذه الدول في الغالب اكتسبت هذه المكانة لدورها السياسي، حيث إن الدول الخمس التي لها مقعد دائم في الأمم المتحدة ممثلة في هذه الدول الثماني وإن كانت فعليا اقتصادات قوية ومؤثرة في العالم، إلا أن عناصر الاقتصاد العالمي لا تقتصر على هذه الدول الثماني, إذ إن هذه الدول وإن كانت تمثل الدول الكبرى صناعيا، إلا أن هذا لا يكفي لإعطاء صورة مكتملة للاقتصاد العالمي للحاجة إلى وجود دول لها دور فيما يتعلق بالموارد الأساسية للاقتصاد العالمي, خصوصا البترول, الذي يعد أكبر مصدر له في العالم المملكة. كما أنه لا بد أن يكون هناك ممثلون من الدول الكبرى من حيث السكان، مثل الهند وإندونيسيا.
وهذه الدول لها مصالح وأهداف وتوجهات تختلف عن الدول الصناعية، لذلك من الأكمل لصورة الاقتصاد العالمي وجود هذه الدول، وهذا ما دعا فعلا إلى توسيع تمثيل الدول العظمى العشرين، التي تعد المملكة واحدة منها.
وحيث إنه في اجتماعات ممثلي المؤسسات المالية الأخيرة في هذه الدول تباينت وجهات نظرهم فيما يتعلق بوضع قيود أكثر صرامة على البنوك، للحد من حدوث أزمات وتقلبات مالية في العالم مستقبلا عبر إصدار معايير «بازل 3»، التي يتوقع أن تنتهي صياغتها بنهاية هذا العام 2010، وتدخل حيز التطبيق والإلزام قبل نهاية عام 2012، وبعض القيود والشروط التي تتعلق بزيادة حجم الاحتياطيات النظامية التي لدى البنوك لم تلق قبولا من الجميع, إذ يرى فيها البعض تقييدا للبنوك في الإقراض, ما يسبب شحا في السيولة مستقبلا بالنسبة للشركات والأفراد, مما يؤذي بالتالي الحركة الاقتصادية والسيولة في العالم.
ويبقى السؤال: ما أثر تطبيق هذه الأنظمة على المالية الإسلامية؟ وهل ستعطي «بازل 3» فرصا أكبر للمؤسسات المالية الإسلامية، أم أنها ستزيد من القيود التي تؤثر في فرص نمو المالية الإسلامية التي شهدت تطورا خلال الفترة الماضية، وحققت نجاحات شهد لها العالم.
جاء في صحيفة «الاقتصادية» في العدد 6075 بتاريخ 30 أيار (مايو) لعام 2010 «أكدت وكالة ستاندارد آند بورز، أن مقترحات «بازل 3» حول الإشراف على البنوك يمكن أن تقوي من وضع الميزانيات العمومية للبنوك الإسلامية، وأن تشعل أيضاً فتيل تغيرات أساسية في نماذج أعمالها وتسعير منتجاتها», وجاء في تقرير آخر في العدد نفسه: «وترى (ستاندارد) أن بعض الافتراضات في «بازل 3» يمكن أن تعوق بصورة حادة من سوق القروض بين البنوك الإسلامية، ... ويمكن أن يؤدي ذلك (أي تطبيق معايير بازل 3) إلى مزيد من التحديات فيما يتعلق بإدارة السيولة في البنوك الإسلامية، في وقت يتسم بالافتقار إلى فئات الموجودات السائلة وذات المخاطر المتدنية، التي يمكن استخدامها من قبل هذه البنوك بهدف إدارة السيولة فيها. بالنسبة للوقت الحاضر، يغلب على البنوك الإسلامية أن تستخدم إما ودائع ما بين البنوك مع البنوك المركزية من أجل إدارة السيولة، على اعتبار أن سوق الصكوك لا تزال تفتقر إلى العمق (يظل حجم الصكوك الصادرة صغيراً، كما أن أغلبية هذه الصكوك تحمل تواريخ استحقاق طويلة). إضافة إلى ذلك فإن سيولة الصكوك في السوق الثانوية لا تزال متدنية’’.
والحقيقة أن «بازل 3» تسعى إلى فرض مزيد من القيود على البنوك للحد من مزيد من المضاربات في الأسواق، ولتوفير احتياطيات أكبر في البنوك لتقليل المخاطر عليها. وهذا بدوره سينعكس على المؤسسات المالية الإسلامية، فقد تكون هناك فعلا تدفقات مالية أكبر على المؤسسات المالية الإسلامية، لكن في الوقت نفسه فإن النظام المالي العالمي ومعايير بازل منذ أن أنشئت لا تراعي طبيعة المالية الإسلامية، وطريقة عملها، فوجود مزيد من القيود إذا لم يكن مؤثرا بشكل أكبر في المؤسسات المالية الإسلامية، ستجد أن له الأثر نفسه الذي سيكون في المالية التقليدية، وإن كانت الآثار غير المباشرة تختلف أو ربما تكون إيجابية.
وبناء عليه لا بد أن تكون مطروحة على وجه الخصوص في هذه المحافل، ليتم وضع تصور لها يخدم طبيعتها، والأدوات المالية التي تسعى إلى تقديمها. خصوصا أن أدوات مالية مثل المشاركة يصعب تطبيقها على المؤسسات المالية الإسلامية في ظل وجود مثل هذه التشريعات. مع العلم أن تقييم المخاطر في عقود المشاركة إذا ما كانت على مشروع واحد فقط قد تكون عالية جدا, لكن في وضع البنوك فإنها ستقدم التمويل لمشاريع كثيرة، فإنه لا بد من الاستفادة من النظرية التي يقوم عليها التأمين. إذ إن انخفاض مستوى المخاطرة في التأمين ناتج عن اشتراك كثير من الناس، ولو كان التأمين لشخص واحد فقط، لكانت المخاطرة عالية جدا.
ويبقى أمر مهم أنه لا يمكن انتظار العالم لتقديم تصور للمالية الإسلامية وضبط عملياتها، إلا إذا كانت هناك مبادرة وتجمع من هذه المؤسسات لضبط عملها ومعاييرها وتقديمه كمقترح للعالم، بدلا من استمرار العمل الفردي، الذي يحقق مصلحة لعدد محدود وقصير الأجل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي