منذ بدأت الأسواق المالية في العودة إلى الاستقرار في أواخر العام الماضي، اكتسبت فكرة إرغام القطاع المالي على تكبد التكاليف التي تحملها دافعو الضرائب، من أجل إبقاء هذا القطاع على قيد الحياة، اكتسبت تأييداً متزايداً بين صناع القرار السياسي وعامة الناس. تبنت فرنسا والمملكة المتحدة ضريبة مؤقتة تفرض على مكافآت القطاع المالي، كما اقترحت حكومة الولايات المتحدة تشريعاً يشتمل على فرض «رسوم المسؤولية عن الأزمة المالية» بهدف استرداد تكاليف برنامج إغاثة الأصول المتعثرة. وهناك أيضاً مناقشات دائرة حول أفضل السبل لإصلاح الضرائب المفروضة على القطاع المالي، التي هي في المتوسط أخف كثيراً نسبة إلى الدخول الشركاتية الأخرى، التي تحابي من غير مبرر الاقتراض على حساب تمويل أسهم رأس المال. بيد أن تقاضي مبلغ إجمالي بهدف استرداد التكاليف الماضية لن يغير الحوافز التي تدفع القطاع المالي إلى خوض المجازفة. فضلا عن ذلك فمن غير الواضح ما هي على وجه التحديد التكاليف التي ينبغي استردادها. في حين كانت التكاليف المالية المباشرة المترتبة على دعم القطاع المالي تعادل 2.5 إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المتقدمة (التي شهدت قمماً بلغت نحو 4.5 في المائة)، فإن التأثير المالي الإجمالي المترتب على الأزمة كان أضخم كثيراً، وهو ما يعادل إجمالي الزيادة المتوقعة في الديون العامة ـ أو ما يقدر بنحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. بل إن التكاليف الإجمالية التي تكبدها الاقتصاد كانت أضخم حتى من ذلك ـ بما في ذلك انحدار الناتج وخسارة الوظائف، وما صاحب ذلك من تدمير لرأس المال المادي وغير المادي، الذي يبلغ وفقاً لما ذكره أندرو هالدين من بنك إنجلترا ضعف الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
لكن في وقت لاحق غيرت المناقشة وجهتها: حيث أصبح كثيرون ينظرون إلى فرض ضريبة على القطاع المالي الآن باعتباره وسيلة مريحة لتخصيص الموارد الكافية لتغطية تكاليف الأزمة المالية التالية. والواقع أن فكرة فرض ضريبة على القطاع المالي أصبحت مرتبطة على نحو وثيق بفكرة إنشاء صندوق حل الأزمات. ومن المفترض أن يغطي هذا الصندوق التكاليف المتبقية الناجمة عن إفلاس أي مؤسسة كبرى بعد أن يصبح رأسمالها صفراً، وبعد أن تنتهي مطالبات المدينين (ولو أن بعض المقترحات غامضة، الأمر الذي يترك مجالاً لبعض التخفيف عن الدائنين على الأقل).
ولقد عرض صندوق النقد الدولي اقتراحاً من هذا القبيل على زعماء مجموعة العشرين حين اجتمعوا في واشنطن في نيسان (أبريل). كما تقدمت لجنة الشؤون الاقتصادية والنقدية التابعة للبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية أخيرا بنسخ مختلفة من ذلك الاقتراح.
وفي اعتقادي أن هذه المقترحات رديئة، وذلك لسببين. السبب الأول واضح: ذلك أن إنشاء أي صندوق لإنقاذ المؤسسات المالية من شأنه أن يخلق وعداً ضمنياً بالإنقاذ. ولا بد أن تطالب جهة ما، إن آجلاً أو عاجلاً، بتنفيذ ذلك الوعد. وإذا كان الصندوق ممولاً بأموال عامة، فإن هذا من شأنه أن يشجع النفعيين في القطاع الخاص على الركوب المجاني على أكتاف دافعي الضرائب, وإذا كان ممولاً بأموال خاصة فإن هذا من شأنه أن يشجع المحتالين على الركوب المجاني على أكتاف المصرفيين الشرفاء. والسبيل الوحيد لتجنب هذه النتيجة غير المرغوبة يتلخص في استبعاد كل أشكال الدعم لحاملي الأسهم والدائنين لأي مؤسسة مالية تتجه نحو الإفلاس. ويتعين عليهم أن يدركوا أن الحكومة لن تسارع إلى إنقاذهم. وبهذه الطريقة فقط ستنشأ لدى حاملي الأسهم والدائنين الحوافز القوية بالدرجة الكافية لمراقبة الإدارة وتقييد الميل إلى خوض المجازفات المتهورة من قِبَل البنوك أو غيرها من المؤسسات المالية.
وبمجرد تقبل حقيقة مفادها أن حاملي الأسهم والدائنين لا يستحقون الإغاثة، فإن صندوق حل الأزمات سيتحول ببساطة إلى وسيلة لتأمين الودائع. والواقع أن المودعين الأفراد في القطاع المالي هم فقط الدائنون الذين يستحقون الحماية الكافية، إن لم يكن الحماية الكاملة، ضد الأخطاء التي ربما يرتكبها المصرفيون. فمن المعروف أن المصدر الرئيس لعدم الاستقرار الشامل في الأنظمة المالية يتلخص في الإفراط في الإنفاق بالاستدانة (الاستعانة بالروافع المالية) ـ والإقراض المتهور ـ من جانب المؤسسات المتلقية للودائع.
إن رسوم تأمين الودائع هي الأداة المناسبة التي نستطيع بها أن نرغم البنوك على تحمل التكاليف المترتبة على ميلها المتأصل إلى خوض المجازفات وما يفرضه ذلك من مخاطر على بقية النظام. وعلى هذا فإن القيود التنظيمية لا بد أن تضمن عدم انتهاك المصرفيين ميثاقهم من خلال خوض المجازفات المفرطة بأموال المودعين ـ وهي على وجه التحديد الوظيفة التي فشلت الأجهزة التنظيمية في القيام بها في الأعوام الأخيرة، الأمر الذي فتح المجال لحدوث الأزمة المالية.
وهذا يقودني إلى الاعتراض الآخر على إنشاء صندوق حل الأزمات، وهو الاعتراض الأقل فوزاً بانتباه الناس واعترافهم: إن الخسائر المصرفية (وشبه المصرفية) كانت ضخمة في الأزمة المالية الأخيرة لأن القائمين على التنظيم تعاموا عن الانتهاكات من أجل ضمان المنافسة القوية بين المصرفيين، أو ببساطة أكبر لأنهم وقعوا أسرى لسحر المصرفيين. ولو تصرف القائمون على الإشراف على النحو اللائق لكان من غير المحتمل أن تنشأ خسائر ضخمة نتيجة لفشل البنوك. لذا فمن أجل إبقاء الخسائر في حدود المعقول فيتعين على القائمين على التنظيم أن يلزموا أنفسهم باتخاذ خطوات تصحيحية مبكرة كلما أصاب الضعف رأسمال بنك ما، وهذه هي الكيفية التي تعمل بها مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية في الولايات المتحدة.
وإذا لم تكن في الإمكان إعادة تمويل بنك ما فلا بد من حله وتصفيته. وهنا تكتسب إجراءات الحل الفاعلة مزيدا من الأهمية. بيد أن النقطة الأساسية هنا هي أن التعرض المتهور لن يكون ممكناً في نظام حيث يدرك حاملو الأسهم والدائنون أن أحداً لن ينقذهم، وحيث لا يُسمَح للمشرفين بالمراهنة على عودة الكيانات التي يشرفون عليها إلى الحياة، بل يلتزم هؤلاء المشرفون بتحميل هذه الكيانات المسؤولية بمجرد شروعها في ارتكاب سلوكيات رديئة.
في إطار الجهود الرامية إلى بناء جهاز تنظيمي أكثر قوة وتماسكاً للأسواق المالية، فإن فكرة إنشاء صندوق لحل الأزمات ليست أكثر من وسيلة إلهاء في أفضل تقدير ــ وهي في أسوأ تقدير نذير بمزيد من عدم الاستقرار المالي.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010.
www.project-syndicate.org
