رغم أننا نعيش عصر المؤسسات الصحفية التي تقوم على المهنية والعمل المؤسسي الاحترافي وفقا لقواعد المهنة ومتطلباتها، حيث تخضع الصحف بلا استثناء لبرامج مجالس إداراتها, سواء في مجال التحرير أو في مجال الإعلان والتسويق .. بعد أن أوقفت الحكومة الدعم المالي للصحف إمعانا في زيادة هامش الحرية في التعبير عن كل ما من شأنه خدمة الوطن وقضايا الأمة، خاصة بعد أن تم تنظيم عمل المهنة وحقوق النشر وضوابطه في إطار مرجعية نظام المطبوعات المعمول به في وزارة الثقافة والإعلام .. إلا أن هذا لم يمنع من أن تأتي المبادرة الملكية الكريمة جهة دعم الزميلة «الندوة» بتسديد كامل ديونها، وتمويل الدراسات التأسيسية لإعادة انطلاقها، وإقالة عثرتها لضمان استمرارها إلى جوار زميلاتها في خدمة الرسالة الإعلامية.
وهذا الموقف لا يجسد فقط حرص القيادة على بقاء هذا الصوت الإعلامي الذي ينطلق من أطهر بقاع الأرض وحسب، والعمل على تذليل ما يعترضه من مصاعب مالية وفنية، وإنما هو أيضا يترجم بكل شفافية حرص قيادة الوطن على دعم الإعلام بمجمله ودفعه بكل السبل لأداء دوره الكبير في العمل الوطني، وهو موقف لا يتأتى إلا لمن يمتلك رؤية ناضجة للإعلام، ويؤمن برسالته المهمة في بناء الأوطان وتكريس الهوية الوطنية.
فحينما تمتد يد المليك إلى مؤسسة صحفية لدعمها وإنقاذها، وهي التي يفترض أنها في حساب المسؤولية الاعتبارية ملك مساهميها .. فهذا يعني أنه لا يريد أن يسمح بانطفاء أي صوت إعلامي تحت ذريعة نقص التمويل أو حسابات الخسارة، على اعتبار أن الخسارة الأكبر ستكون في الإذعان لتلك الظروف، وإخلاء الساحة التي لا تزال تحتاج إلى الكثير من الجهد الإعلامي الذي يضاهي ما يحدث من عمل تنموي جبار على أرض الواقع، ودعمه بالتشجيع والاحتفاء الذي يستحقه، وبالنقد الهادف البناء الذي يكشف للمسؤول عن أوجه القصور في التنفيذ أو الأداء، إلى جانب تلك الأدوار المركبة الأخرى التي يفترض أن يتصدى لها الإعلام في سبيل التوعية، وتصحيح الرؤية تجاه بعض الأمور الفكرية والثقافية، بصفتها أحد أهم أوعية الحوار، وأكثرها انتشارا ووصولا إلى الناس.
لقد آمن ــ يحفظه الله ــ بالحوار، بكل أدواته ووسائله، ورفعه لأن يكون أحد أبرز عناوين مشاريعه الاستراتيجية .. سواء على الصعيد المحلي أو الصعيد الدولي، وهو المشروع الذي استطاع أن يقطع شوطا طويلا رغم قصر مدة التنفيذ حتى الآن .. لذلك حينما يأتي هذا الدعم الملكي الكريم للزميلة الندوة .. فإنما يأتي في السياق ذاته الذي رعى مؤسسات الحوار، ودفعها إلى مقدمة الصفوف لتأخذ دورها الريادي في تثبيت دعائمه كشيمة أصيلة لهذا المجتمع الذي بات يترسم خطى حضارة جديدة تأخذ من موروثها وتاريخها وماضيها أجمل وأثمن ما فيه، وتضيف إليه صيغة القبول بالآخر، واحترام المخالف في إطار قواعد الاختلاف المشروعة لتنجز بالنتيجة مجتمعا قادرا على عرض أفكاره على محكمة العقل والحكمة التي هي ضالة المؤمن، وكل هذا بطبيعة الحال وفقا للثوابت الإسلامية المتفق عليها. وهذا ما يجعلنا كإعلاميين لا ننظر لهذه المبادرة الملكية الكريمة من زاوية أنها تخص مؤسسة صحفية بعينها .. حتى إن كانت كذلك .. وإنما تخص كل مؤسسة صحفية في أرض الوطن، وكل إعلامي أيا كان موقعه على الخريطة الإعلامية العريضة، لأنها تمثل الدعم المعنوي الكبير لرسالة الإعلاميين وتثمين دورهم كأجمل وأنبل ما يكون التثمين .. خاصة حينما يأتي من قائد الوطن وزعيم نهضته، وباني أمجاده في مختلف المجالات .. لهذا يحق لنا كإعلاميين أن نقف احتراما لهذا الموقف الكريم والمسؤول .. الذي يعكس روح المسؤولية التي لا تتوقف عند حد .. إلا لتتجاوزه إلى الآخر دعما وتشجيعا ومؤازرة.
