الشركات العائلية .. المطلوب ضمان الاستمرار

معظم الأنشطة التجارية بدأت من خلال شخص أو عدة أشخاص وضعوا تصورهم للمنشأة وفق أهداف محددة, وكافحوا في سبيل نجاحها, الذي أصبح واقعا. وسواء كان أولئك الأشخاص من عائلة واحدة أو مجموعة عمل متكاملة فإن العلاقات الشخصية تشكل حجر الزاوية في وجود الشركة واستمرارها, كما أن تلك العلاقات الشخصية تنتهي غالبا مع ذهاب الجيل المؤسس أو الرواد في الفكرة ليرثها من بعدهم الأبناء أو الأحفاد, وهم قطعا لم يعانوا في التأسيس لكنهم يعانون في ضمان الاستمرارية لوجود الشركة وضمان تفوقها في ظل خلافات ناشئة عن عدم وجود تفاهم أو وجود رغبة قوية في الانفصال, حيث تضعف العلاقات الشخصية بين أفراد الجيل الثاني أو ربما تنعدم.
ولأن هناك شركات عائلية طرحت قضاياها أمام المحاكم وهيئات التحكيم ومنها قضايا تدخلت فيها بعض الجهات الرسمية لوقف حدة الخلاف بين الورثة لما له من أثر في السوق أو العملاء أو الجهات المتعاقدة مع تلك الشركة, فإن المطالبة بحماية تلك الشركات من الخلافات العائلية مطلب يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني, لأن أغلبية تلك الشركات أو بعضها تعتبر وفق مقاييس السوق شركات رائدة ومن دعامات الاقتصاد المحلي, فضلا عن علاقاتها المتشابكة مع البنوك والجهات الحكومية والقطاع الخاص.
لقد بادر بعض الاقتصاديين والحقوقيين إلى المطالبة بتحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة للاكتتاب العام, كما أن بعضهم طالب بوضع رقابة على بعض تلك الشركات المهددة بأخطار الخلافات, في حين كان لبعضهم موقف معتدل يرى أن أصحاب المال هم الأقدر على حمايته والحرص عليه, وفي حالة حصول خلاف بين الجيل الثاني فإن التدخل للإصلاح هو خير طريق لتفادي أزمة الانهيار أو التصفية.
وفي الواقع أن النشاط التجاري في الخليج العربي عموما بدأ في إطار عائلات تجارية مارست التجارة واحترفتها وكونت لها وجودا ماليا قويا حتى أصبحت ضمن أدوات السوق التي تعتمد عليها الحكومات في البناء والتنمية والتوظيف, وحملت تلك الشركات مسؤولياتها الاجتماعية ونجحت فيها باقتدار, وهي اليوم تواجه مشكلات لا تتصف بالعموم, بل هي حالات فردية وتمكن الجيل الثاني من تجاوز خلافاتهم, ومع ذلك تبقى الاحتمالات مفتوحة لوجود تباين في الآراء, نظرا لظروف السوق أو وجود منافسين أو تغير طرق الإدارة والاستثمار ومتطلبات التطوير.
إن من المقترحات المطروحة لتفادي انهيار الشركات العائلية وضع ميثاق يضمن استمرار الشركات العائلية بعد وفاة المؤسس, كما أن أقوى ضمانة هي تحول الشركة العائلية إلى شركة مساهمة تطرح للاكتتاب العام, حيث يتم نقل جزء من ملكية رأس المال ونقل الإدارة أو المشاركة فيها إلى المساهمين والجمعية العمومية مع وجود الرقابة النظامية والمحاسبية التي تتطلبها الشركات المساهمة حسب نظام الشركات ومقتضيات الحوكمة التي تضع قواعد متشددة لضمان حقوق المساهمين والمتعاملين مع الشركة وعدم خروج الشركة عن مسارها المرسوم لها وفق نظامها الأساسي.
ومن الملاحظ أن تحول بعض الشركات العائلية إلى شركات مساهمة كان في بعض الحالات في مصلحة ملاك الشركة, ولم يكن في مصلحة المساهمين, فالبيع لم يكن في مصلحة المكتتبين والمتداولين لأسهم الشركة, ومن ثم فإن تشجيع التحول ليس عادلا في كل الحالات, كما أن هناك من الشركات العائلية ما تجاوز الأزمة بعقلانية ووعي, حيث تم تقاسم النشاط وتحويل الشركة إلى شركتين أو ثلاث شركات مع المحافظة على رأس المال والموجودات وحقوق الملاك, وهو حل مقبول من الناحيتين القانونية والتجارية, وربما يكون مقترحا يرضي الجيل الثاني ليعمل كل فريق وفقا لما يراه محققا لرؤيته في الإدارة والاستثمار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي