على الرغم من فشل عملية تفجير سيارة مفخخة في ساحة تايمز في نيويورك في أوائل الشهر الحالي، فإنها استطاعت بنجاح تفجير خرافة أن الولايات المتحدة تمكنت من إنهاء خطر الهجمات الإرهابية على أراضيها بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. وعلى الرغم من اتخاذ الولايات المتحدة كثيرا من الإجراءات لتعزيز أمنها المحلي، فإنها لم تكن قادرة على ردع الإرهابيين عن محاولة مهاجمة أراضيها، أو التعرض لمصالحها. وتم إنقاذ البلاد في عدد من المرات، من مثل هذه الهجمات، بفضل الحظ الجيد.
قيل الكثير عن أن المهاجرين المسلمين إلى أمريكا مختلفون عن المهاجرين المسلمين إلى أوروبا، من حيث إن معظمهم من المحترفين الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة بحثاً عن الحرية في المقام الأول، وسعياً إلى النهوض بأوضاعهم، وتحسين مستوى معيشة أسرهم. وفي المقابل كان المهاجرون المسلمون إلى أوروبا من العمال قليلي المهارات، حيث وصلوا إلى هذه القارة بصورة غير شرعية للاستفادة من برامج الرعاية الاجتماعية المتعددة التي ترعاها الدول. وبالتالي، فإن هذه الشريحة التي هاجرت إلى أوروبا كانت قابلة أكثر من غيرها للتأثر بأفكار جماعات الإرهاب.
يبدو أن هذه الفكرة أصبحت غير صالحة بينما نرى نية جماعات الإرهاب في استخدام المواطنين الأمريكيين كعملاء تختارهم. وألقى مكتب التحقيقات الفيدرالي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي القبض على أمريكي من أصل باكستاني، هو دافيد كولمان، وصديقه الكندي من أصل باكستاني، بتهمة التآمر لمهاجمة مكاتب صحيفة في كوبنهاجن سبق لها أن نشرت رسوماً كرتونية عن الرسول محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ وكان كولمان مرتبطاً كذلك بجماعة لشقر طيبة، جماعة الإرهاب المتمركزة في باكستان التي نفذت هجمات على مدينة مومباي الهندية عام 2008.
تبدو الصورة أشد قتامة إذا شمل المرء في القائمة عمر الفاروق عبد المطلب، ذلك النيجيري الذي حاول تفجير طائرة متجهة إلى ديترويت في يوم عيد الميلاد من عام 2009، وكذلك الرائد نضال مالك حسان، ذلك الضابط الأمريكي من أصل فلسطيني، الذي فتح النار على زملائه في قاعدة فورت هود في العام الماضي, وكان اسم فيصل شاهزاد هو الاسم الأحدث في هذه السلسلة.
لقد عمل حادث ساحة تايمز على إقناع كثيرين بأن جواز السفر الأمريكي أصبح سلاحاً في أيدي الإرهابيين. وحصل فيصل شاهزاد على الجنسية الأمريكية عام 2009، بعد أن تزوج فتاة أمريكية. ومكنه جواز السفر الأمريكي هذا من السفر جواً من البلاد وإليها عدة مرات. وجلب كذلك معه كميات كبيرة من الأموال السائلة بعد رحلاته إلى باكستان، إضافة إلى حصوله على تدريب في وزيرستان. وتبنت حركة تحريك طالبان في باكستان المحاولة الفاشلة للتفجير في ساحة تايمز، مباشرة بعد الإعلان عنها. وبعد أن نفت السلطات الأمريكية ذلك في بداية الأمر، أقرت بأن شاهزاد لم يكن يلعب منفرداً، وأنه لم يكن «ذئباً عاملاً وحده»، لكنه كان مدعوماً من جانب تلك الحركة بصورة فاعلة، الأمر الذي يبرهن على قدرتها على اختراق مجتمعات المهاجرين من أصول باكستانية على أراضي الولايات المتحدة.
ليس من المفاجئ أن هذه الحركة جعلت من مهاجمة الأراضي الأمريكية أولوية لها، حيث كانت هذه الحركة هي الأشد إصابة خلال أحدث العمليات العسكرية التي شنها الجيش الباكستاني، أو قنابل وصواريخ الطائرات الأمريكية التي تطير من دون طيار. ولم تكن هذه الحركة رحيمة بالدولة الباكستانية، إذ شنت عدداً من الهجمات الانتحارية على أهداف مدنية، وعسكرية. ومن جانبه، فإن الجيش الباكستاني لم يرحم هذه المجموعة، وأغلبيتها المكونة من البشتون، الأمر الذي يفسر أسباب تصميم هذا الجيش على مواصلة عملياته ضد هذه الحركة.
من جانب آخر, نجد أن الجيش والمخابرات في باكستان، دعما جماعات الإرهاب في البنجاب مثل LeT، وجيش محمد، التي تدعي أنها تحارب من أجل نصرة قضية كشمير. وتم منح مثل هذه الجماعات الأراضي والتدريب لمساعدتها على شن عملياتها. وعلى الرغم من محاولات واشنطن إقناع باكستان بأن هذه الجماعات في البنجاب وكشمير، ليست صديقة، إلا أن الجانب الباكستاني قاوم توجيه أي ضغوط على تلك الجماعات.
غير أن من السذاجة الاعتقاد أن احتضان مثل هذه الجماعات الإرهابية أمر منطقي. وتدرك الولايات المتحدة مدى طموح الجماعات العاملة في البنجاب وكشمير. وتقول مصادر باكستانية إن فيصل شاهزاد مقرب من جماعة جيش محمد، كما أن الجماعة الأخرى كانت ناشطة على الأراضي الأوروبية خلال السنوات العشر الماضية. وأعلنت أن الغرب وأمريكا عدوان لا يمكن التهاون معهما. وأن هاتين المنظمتين أكثر قدرة على تجنيد الباكستانيين في الخارج، حيث إن كثيرين منهم من أصول بنجابية أو كشميرية.
يعتقد جناح من الاستراتيجيين في الولايات المتحدة أن خلايا الجماعات الإرهابية الباكستانية في الخارج، ولا سيما في المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، ومنطقة الشرق الأوسط، تشكل خطراً على الأراضي الأمريكية بما يفوق ذلك الخطر الذي تشكله عليها الجماعات المتمركزة على الأراضي الباكستانية ذاتها. ويريد هذا الجناح أن تتم متابعة ومراقبة هذه الجماعات في الخارج بدقة أعلى. ولا بد هنا من أن نلاحظ أن جماعات الإرهاب الباكستانية في الخارج تعمل وفقاً لتعليمات صادرة إليها من جماعات الإرهاب المتمركزة على الأراضي الباكستانية. وإذا تم التعامل المناسب مع هذه القواعد المحلية، فإن الخلايا المتحركة في الخارج ستفقد القوة الدافعة للعمل على نحو سريع للغاية.
بعد فشل عملية ساحة تايمز، وجهت الولايات المتحدة رسالة شديدة اللهجة إلى باكستان طالبتها فيها بتشديد الهجمات على مسلحي الجماعات الإسلامية. غير أن باكستان ترى أن الولايات المتحدة ستلجأ إلى إجراءات اقتصادية إذا أرادت زيادة الضغوط على باكستان، حيث إن اقتصاد باكستان في وضع سيئ، إذ تراجع ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة زادت على 3 في المائة في العام الماضي، بعد أن كان قد حقق زيادة بنسبة 8 في المائة في عام 2005. وتنتظر باكستان كثيرا من المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية التي حلّ وقت تسلمها, وبالتالي، فإن عدم قيام باكستان بالإجراءات المطلوبة ربما يؤخر وصول تلك المساعدات.
يبدو أن الولايات المتحدة لا تزال تمارس الصبر في علاقاتها مع باكستان, وتبدو واشنطن راضية عن الهجمات الأخيرة التي شنها الجيش الباكستاني خلال الفترة الأخيرة على الجماعات المسلحة بالقرب من حدود باكستان الغربية, غير أن هذه الهجمات ليست كافية في ظل ضخامة حجم التهديدات. كما أن الفرصة محدودة أمام باكستان في شن مزيد من الهجمات ضد تلك الجماعات المسلحة.
يبدو أنه نتيجة لخصائص السياسة الباكستانية، فإن الاستراتيجيات العسكرية موجهة بقوة أكثر نحو الهند، بما يزيد على تركيزها على محاربة الجماعات المسلحة العاملة فوق الأراضي الباكستانية, وبالتالي فإن الجهود الأمريكية لزيادة تحركات باكستان العسكرية ضد هذه الجماعات لم تتوصل إلى النتائج المرغوبة من جانب الولايات المتحدة.
زادت الولايات المتحدة من ضغوطها على باكستان بعد عملية ساحة تايمز، وذلك باتجاه مزيد من التوغل في منطقة وزيرستان, غير أنه إذا كانت هنالك ضرورة لتشديد الضربات العسكرية الباكستانية في شمالي وزيرستان، فإن هنالك حاجة إلى الحد من نشاطات الجماعات المسلحة في كشمير والبنجاب. وتتحرك باكستان بنشاط ضد طالبان باكستان، لكن إذا كانت هنالك جهود فعلية ينبغي أن يتم بذلها لتحقق نتائج ملموسة، فإنه لا بد من تشديد الخناق على جميع الجماعات الإرهابية على الأراضي الباكستانية. وتنتشر عمليات المتطرفين الباكستانيين عبر المحيط الأطلسي، حيث إن هذه الجماعات المسلحة تنشط في الفترة الراهنة في مجال تجنيد الأمريكيين، تماماً كما جندت البريطانيين قبل عقد من الزمن.
ويبدو أن الجماعات المتمركزة في كل من البنجاب وكشمير، أكثر نجاحاً من غيرها من الجماعات المسلحة في هذه النشاطات التجنيدية الجديدة. ويبدو من مصلحة جميع الأطراف أن تتم متابعة وملاحقة الجماعات الإرهابية في كل مكان، وألا يكون هنالك انتقاء يحابي بعض تلك الجماعات.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINION ASIA
