تطبيق معايير المباني الخضراء في مدننا أصبح ضرورة
الاهتمام بالبيئة أصبح أمرا ضروريا وملحا, وهو مرتبط بالجهود الحالية المحلية والعالمية لموضوع الاستدامة وهو أحد المحاور التي تعتبر حديث الساعة اليوم, التي لا بد من الاستعداد لها قبل أن تفرض علينا بسبب التغير المناخي والبيئي. خاصة بعد أن تبنت المملكة عقد مؤتمر الطاقة العام المقبل. الطاقة والبيئة موضوعان مرتبطان تماما! لكنهما متشعبان ويمسان جميع الجهات سواء القطاع الخاص أو العام. لكن ما يهمنا عمرانيا هو موضوع الحد من التلوث والانبعاث الحراري من المباني, وهو ما يسمى المباني الخضراء. وهو نظام أصبح الآن مطبقا في معظم دول العالم وسيصلنا الدور قريبا أو يفرض علينا. لماذا لا تستجيب الأمانات في مدننا لمثل هذه الدعوة وتعمم على جميع المكاتب الاستشارية وشركات المقاولات وموردي مواد البناء وكود البناء السعودي لتطبيق معايير المباني الخضراء عند إعداد تصاميم المباني وتنفيذها للمحافظة على مواردنا الطبيعية وبيئتنا مع الحصول على جودة أعلى وتحقيق المنفعة العامة؟
وأهم معايير المباني الخضراء هو الالتزام بتطبيق نظام العزل الحراري وترشيد استهلاك الطاقة عن طريق ترموستات مبرمجة وأتوماتيكية لجميع المباني المكيفة وتزويد مراوح الشفط الخارجية المركزية بوحدات استعادة الطاقة ونظام تحكم لخفض كمية الهواء الخارجي في حالة عدم الحاجة إليه, واستخدام الألوان الفاتحة والعاكسة للحرارة, خاصة على الواجهات والأسطح، ووضع حدائق على السطح لعزل الحرارة, والاهتمام بالصيانة الدورية, واستخدام وسائل طاقة بديلة مثل الطاقة الشمسية, والحد من استخدام الغازات المستنفذة لطبقة الأوزون في أجهزة التكييف أو في مواد البناء مثل مواد الأسبستوس والبوليسترين.
يأتي بعد ذلك معيار الاستفادة من معالجة المياه وتخزين مياه المطر وإعادة استخدامها داخل المبنى في خزانات الطرد للمراحيض والري وغيرها من الاستعمالات التي تتطلب الاتصال المباشر مع جسم الإنسان، واستخدام الخلاطات التي تعمل بحساسات واستخدام مشبعات الهواء على جميع المحابس في الحمامات والمطابخ, وتركيب خزانات طرد سعتها لا تزيد على 1.5 جالون, وزراعة النباتات المناسبة للبيئة المحلية التي تحتاج إلى القليل من المياه مع استخدام نظام تحكم التنقيط في الري.
وتعد الحرارة المنبعثة من بعض أنواع المصابيح تولد أو تضيف كمية أكبر من الحرارة في الوقت الذي توجد فيه تقنيات حديثة لمصابيح طويلة الحياة وتولد إنارة أكبر بتيار أقل.
وأن يتم الالتزام بأنظمة المباني الذكية التي تستعمل حساسات أو بطاقة لكل استعمال بحيث يعمل عند استخدام البطاقة وعند نزعها يقفل النظام, سواء للإنارة أو التكييف أو الأجهزة المنزلية أو أجهزة التحكم الزمنية أو نظام تخفيض الإضاءة Dimming System للتحكم في الإضاءة واستخدام أجهزة Motion/ Occupancy/ Sensors، أو أجهزة التحكم الزمنية للتكييف.
هذه المعايير هي أساس موضوع الاستدامة, فهي مربوطة بسياسات المدن والمباني الخضراء والذكية التي تؤدي إلى الاستدامة. وهناك ثلاثة أسماء ترتبط بموضوع الاستدامة لكنها ربما لا تكون واضحة للجميع, وهي المباني الذكية Smart والمباني المبدعة ذهنيا أو العبقرية التي تستطيع التعرف على الأشياء Intelligent والخضراء Green. ثلاث عبارات تختلف في المعنى والمقصود منها لكنها مرتبطة تماما كنسيج للمدن الحديثة, وهي جميعها تؤدي إلى الاستدامة.
المدن أو المباني الذكية Smart هو اسم سبق الآخرين ومنذ نهاية السبعينيات في أدبيات الهندسة المعمارية, حيث كان يطلق على المباني الحديثة آنذاك, وتطلق التسمية على المباني من حيث شكلها الخارجي ومدى استعمالها مواد وخطوطا وأشكالا حديثة مثل استعمال الإضاءة النيونية والليزر والخطوط الحادة والأشكال الفضائية. بينما اسم المباني العبقرية المثقفة أو التقنية Intelligent فهو أحدثها ويطلق على المباني سواء كانت ذكية أو كلاسيكية أو عصرية لكن بشرط أن تستعمل تقنية الأرقام والحاسوب لمعظم الشبكات الداخلية والخارجية وربطها بنظام إدارة المبنى ببروتوكول الإنترنت IP. ويعني ذلك ضمان كفاءة التشغيل للمبنى بدقة وكفاءة تؤدي الى التوفير في استعمال الطاقة والأيدي العاملة. ويبقى أحدث تلك الأسماء وهو اسم المباني أو المدن الخضراء, والمقصود به إضافة إلى كون المبني ذكيا أو مثقفا فإنه يجب أن يصل إلى مرحلة من التحكم بالطاقة ليصل معدل ما يبعثه المبنى من الكربون الملوث للجو درجة الصفر Zero Emmision. وذلك يتطلب مواصفات عالية من العزل الحراري واستعمال الأجهزة التي تستعمل غازات لا تصدر التلوث. وفي مجموعها كمبان ذكية وخضراء هناك علاقة قوية وأساس لتكوين المدن الذكية أو المثقفة والخضراء, فالمدن هي التي تربط تلك المباني بالبنية التحتية, خاصة شبكات الاتصالات والإنترنت لتربط كل نقطة تقنية في كل مبنى بالشبكة العامة للمدينة عن طريق شبكة الموجات العريضة (البراد باند والواي فاي والواي ماكس...). وتوجد الآن مجموعة كبيرة من الشركات المتخصصة في تقنية أجهزة وروبوتات لتحويل المعلومات الرقمية إلى أعصاب حركة تقوم بالتحكم في فتح وإغلاق والتعرف على مستخدمي المبنى مربوطه بأجهزة الأمن والسلامة. وبحيث يمكن لشركة المياه والكهرباء قراءة العدادات من بعد. وتستطيع إدارة المرور بعد تطبيق نظام ساهر من معرفة عدد السيارات في مواقف كل مبنى ومواعيد خروجها لتحدد مواقع الازدحامات وتخطط لتلافيها.
وتوصلت بعض الشركات الأمريكية إلى تبني فكرة الأسطح الخضراء التي توفر 25 في المائة من طاقة التكييف, وهي أسطح عبارة عن حديقة عادية في السطح بعمق نحو عشرة سنتيمترات وتزرع عليها نباتات معينة لا تطول وليس لها جذور تخترق السطح وتتم عادة ريها من مياه المطر وشبكة ري احتياطبة في حالة قلة المطر. وبذلك فإن الحديقة من الرمل والنباتات تعمل كعازل حراري جيد في الصيف وكذلك لحفظ الحرارة داخل المبنى في الشتاء.
ويجري حاليا تطوير لاستعمالات أكثر ابتكارا للطاقة الطبيعية وأنظمة ومتطلبات إجبارية للتخلص من الطاقة المضرة بالبيئة. وفي مجال استعمالات المباني يعد المجلس الأمريكي للمباني الخضراء هو الذي يقود العالم حاليا للطاقة ومواصفات المباني الخضراء القياسية تحت اسم ليد LEED لدرجة أن معظم المدن الأمريكية مثل مدينة بوسطن وسياتل ونيويورك وشيكاغو مجبرة على الحصول على شهادة من المجلس قبل بناء أي مبان متعددة الأدوار. وهي مواصفات تمس أكثر من 70 عنصرا ومادة بناء وتبدأ من أنظمة التخلص من النفايات أو تخفيضها إلى عمر المبنى وجودة المواد إلى نوع الزجاج العازل ومواد العزل. والتأكد من إحكام مجاري الهواء والتوصيلات وتقديم منتجات إضاءة لا تبعث على رفع الحرارة مثل السبوت لايت. للحصول على جو داخلي مريح وبأقل التكاليف للطاقة, فمتى نرى قريبا قانون وأنظمة المباني الخضراء. ومتى نرى هيئة تتبناها وتنظمها وتشرف عليها.