فى اجتماعات الجمعيات العمومية للمؤسسات الصحفية للعام المالي 2009 لاحظنا أن أهم المشاريع الاستثمارية للمؤسسات الصحفية بعامة هو التوجه نحو إنشاء أكاديميات للتدريب.
بعض الجمعيات العمومية الواعية اعترضت على المشروع وطالبت مجالس الإدارات بمزيد من دراسات الجدوى المعمقة, ونحن نعترف بأن مجال الاستثمارات أمام المؤسسات الصحفية مازال معوقاً بنقص حاد في الكفاءات والمعلومات, ورغم أن التطورات الهائلة في تقنية المعلومات قد فتحت آفاقاً كثيرة أمام المؤسسات الصحفية, فإنها ليست لديها كوادر تستطيع أن تتحرك بفاعلية في هذه المجالات التي تعد ــ بكل المقاييس ــ مجالات ثرية وخصبة.
ولذلك لاحظنا في مشاريع المؤسسات الصحفية أنها تتجه إلى إنشاء مراكز التدريب أو الأكاديميات التي تهتم بعلوم الإعلام النظرية والتطبيقية دون أن تبحر في مجالات تقنية المعلومات التي أصبح لها سوقاً هائلة, لكن تمشياً مع المادة 5/د من نظام المؤسسات الصحفية التي طالبت المؤسسات الصحفية بتخصيص نسبة من صافي الأرباح من أجل تدريب الكوادر .. اندفعت المؤسسات الصحفية إلى إنشاء مراكز للتدريب الإعلامي.
ولذلك تسابقت المؤسسات الصحفية إلى تأسيس مراكز التدريب بهدف رفع الكفاءة وتحسين الإصدارات وتحقيق الأرباح ..
والحقيقة المخيفة أن المؤسسات الصحفية لم تؤسس قراراتها على دراسات للجدوى الاقتصادية الموضوعية, بل ركزت على الدورات التدريبية المتعلقة برفع الكفاءة وبناء الكوادر المؤهلة في مجالات التحرير بعيداً عن مجالات التقنية.
لكن المؤسف أن مراكز التدريب فشلت في تأهيل الكفاءات وتحسين أداء الكوادر بالقدر الذي يعبر عن حجم التكاليف الباهظة التي أنفقتها المؤسسات.
ولقد أثبتت نتائج كثير ممن قدر لهم أن يؤسسوا الأكاديميات أن خسائرها بدأت تشكل عبئاً ثقيلاً على إيرادات المؤسسات الصحفية, حيث انضمت الأكاديميات إلى مجموعة الإصدارات المحققة للخسائر, وليس بعيداً أن تتحول المؤسسات الصحفية التي أسست الأكاديميات إلى مؤسسات تتحدث عن انخفاض ملحوظ في الإيرادات.
وإذا استعرضنا مراكز التدريب بأسمائها المختلفة سواء أكانت أكاديميات أو مراكز أو معاهد, سمها ما شئت, فإن جميعها يفتقر إلى الرؤية والمنهج, إن معظم مراكز التدريب تنشأ من أجل الربح, لكن الربح بالنسبة لمراكز التدريب أصبح عسيراً جداً وسط كم هائل من المراكز ووسط فعل ضعيف في الوصول إلى الحلول وتحقيق الأهداف.
بمعنى أنه أصبحت مراكز التدريب وكأنها كيان من دون ثمرة, ولا توجد على أرض الواقع نتائج إيجابية على المؤسسات الصحفية نتيجة خريجي الدورات التدريبية, ولو سألنا: ماذا أضاف مركز تدريب أسسته المؤسسة الصحفية إلى «الجودة» في الإصدارات؟
نجد ــ للأسف ــ أن الإجابة سلبية.
ولو سألنا ماذا أضاف مركز التدريب الذي أنشأته المؤسسة الصحفية إلى إيرادات المؤسسة؟
نجد ــ للأسف ــ أنه لم يضف جديداً بل أضاف أعباء إلى التكاليف وزاد المصروفات.
ولذلك حتى لا تهرب بعض المؤسسات الصحفية من تحمل أعباء الخسائر لجأت إلى رأس المال المشترك, مثلاً تتحمل المؤسسة الصحفية 73 في المائة من رأس المال, ويغطى القطاع الخاص 27 في المائة أو نحو ذلك.
وهذه ــ في تقديري ــ نظرة قاصرة, دعونا نعترف بأن الصحافة أصبحت صناعة وتكنولوجيا لها صفات اقتصادية متعددة, وبالذات بعد تحولها من حرف فردية إلى صناعة تحتاج إلى رساميل وتحتاج إلى إدارة وخبرات مهنية ومالية متعددة.
بمعنى أن المسألة لا تتمثل في الخسارة المادية فقط, بل تتمثل في الخسارة الأدبية أيضاً, إذ إنه من غير اللائق وجود أكاديميات إعلامية تحقق خسائر سنوية مستمرة, مع انخفاض في المستوى الفني للإصدارات وانخفاض متزامن للإيرادات.
وإذا تصفحنا أوضاع مراكز التدريب بصورة عامة نجد أنها في موقف بائس, فكثير منها يحقق الخسائر ويحيد عن الأهداف, ثم يخرج من الساحة مكبلا بالديون, ناهيك عن النتائج السلبية التي أفرزتها كليات الإعلام في الجامعات السعودية التي لم تستطع حتى الآن توفير الكوادر الكفؤة في المؤسسات الصحفية رغم مرور أكثر من ربع قرن على إنشاء هذه الكليات.
وبالنسبة لمراكز التدريب المتخصصة في الإعلام فإن معظم المؤسسات الصحفية السعودية ــ كما سبق أن أشرنا ــ اتجهت معاً منذ الألفية الجديدة إلى تأسيس مراكز أو أكاديميات للتدريب والتدريس الإعلامي.
وأمامنا ــ على سبيل المثال ــ خمس مؤسسات صحفية عملاقة هي المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق ومؤسسة اليوم الصحفية ومؤسسة اليمامة الصحفية ومؤسسة الجزيرة للصحافة والنشر ومؤسسة عكاظ للصحافة والنشر.
بالنسبة للمجموعة السعودية للأبحاث فإنها أسست مع المؤسسات والشركات الإعلامية السعودية معهد الأمير أحمد بن سلمان للتدريب بكفاءة عالية ومن المبكر الحكم له أو عليه, وكانت مؤسسة اليوم قد أسست مركزاً للتدريب ووقعت اتفاقيات تعاون مع معهد الشركة, كما أن مؤسستي الجزيرة واليمامة وضعتا أساس إنشاء مراكز متخصصة في التدريب والإعلام وبدأت في تنظيم الدورات التدريبية التقليدية, ومن ناحيتها فإن مؤسسة عكاظ تضع اللمسات الأخيرة لتنفيذ المشروع بعد أن استكملت دراسة الجدوى التي أرجو أن تكون اقتصادية دقيقة.
ولا شك أن قيام هذه المؤسسات الصحفية بإنشاء مراكز للتدريب في وقت متقارب يثير كثيرا من المخاوف على جميع المراكز. والشيء الطبيعي أنه في حالة قيام هذه المراكز في فترة زمنية متقاربة, فإن العرض سيزيد على الطلب, وبالتالي ستتعرض إيرادات هذه المراكز إلى الانخفاض, ثم تدخل في نفق التحميل الزائد على الميزانيات, وربما الخروج من السوق بخفي حنين ودون أن تسهم في تحقيق الهدف الرئيسي ألا وهو رفع مستوى كفاءة الصحافة السعودية!
