البلطجة والانفلات الإسرائيلي نتاج طبيعي لتطورات متراكمة

بكل ما عرف به الإسرائيليون من غدر وانتهازية، شنت إسرائيل هجوما آثما على سفن أسطول الحرية الذي يتكون من ست سفن تقودها سفينة تركية, ويحمل مساعدات إنسانية لشعب ضاقت به السبل ويحاول الإسرائيليون حرمانه من كل شيء ليسقط صاغرا ويقبل صيغة مهينة كحل نهائي. أطلقت فرق الكوماندوز النار عل المسالمين فقتلت 16 وأصابت 50. فماذا كانت الأصداء وردود الفعل؟
استنكار تركي (معظم الضحايا من الأتراك) ومصري وأردني وإعلان فلسطيني للحداد وسعي لعقد اجتماع للجامعة العربية ومظاهرات شعبية في عديد من الدول العربية والأوروبية والإسلامية وشجب من المنظمات العاملة في خدمة الإنسان، واستدعاء لسفراء إسرائيل في عديد من الدول. وفي الوقت الذي اختطفت فيه إسرائيل ركاب السفن واقتادتهم إلى ميناء أشدود يطلب الرئيس أوباما تقديم توضيح – وأوباما هو رئيس أكبر دولة لديها إمكانات استخبارية بحيث إنها تعرف وجوه من قتلوا – ولكنها اللعبة، وما نراه ما هو إلا تكرار وانعكاس لحالة نعيشها منذ ظهرت إسرائيل: تعربد وتصول وتجول وتنعم بحماية الدولة التي لا تكف عن التهديد وقلبت الدنيا عندما مات مسافر عجوز على السفينة أكيل أورود منذ سنوات.
وهنا بيت القصيد، بلطجي يعربد وطاغية يغطي ويلبس كل القفازات: قفاز الحرية وحقوق الإنسان والسلام وكل القيم الجميلة إعلامياً.
وبين فينة وأخرى، وعندما نواجه بهذا الطيش والإجرام الإسرائيلي، نحاول تأصيل الموقف، فإذا بنا أمام حقيقة ثابتة وبسيطة وهي أن إسرائيل هي أمريكا وأن السياسة الأمريكية منذ 1948 مجندة للحفاظ على إسرائيل بأي صورة تريدها إسرائيل، فهي لا تتعدى حدود الاستنكار الشفهي العلني، ويعلم الله ماذا بعد افتعال الغضب.
ونقول إن قلب الموقف يكمن في الضعف العربي المهين. ولكن الأمور بدأت تتغير ونذكر إبان مؤتمر الطاقة النووية في أمريكا، لم تنجح أمريكا في منح إسرائيل الغطاء الكافي، ولذلك بدأنا نتحرك من موقف الغموض النووي الإسرائيلي إلى أهمية أن توقع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.
ودخول تركيا إلى ساحة المواجهة بكل ما تتعرض له من الفتوة العالمي «واشنطن» سوف تقض مضاجع إسرائيل. فكلنا يدرك أن مراكز القوة في الشرق الأوسط تتمثل في تركيا وإيران ومصر والسعودية، ولكن إسرائيل ووراءها حليفها الأمريكي تصر على إنشاء شرق أوسط جديد، ومثلما تبدأ الزراعة بحرث الأرض فإن إسرائيل وأمريكا ومنذ فترة ليست بالقصيرة تصنعان المستحيل لإضعاف القوى الأربع المذكورة بما لا يمثل أي تحديات لإسرائيل, وبما يفتح المجال أمامها لتصول وتجول وتملي إرادتها العسكرية ثم السياسة ثم الاقتصادية ثم الثقافية، وخاصة أن المخطط الأمريكي يعشق تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ يعهد فيها لحليف من حلفائه بالسيطرة.
لمحنا ذلك أثناء الأزمة النووية والأزمة العراقية ـ الإيرانية، ونقول بهذه المناسبة إن واشنطن عندما تتحدث عن خطر إيراني فهي تتحدث بلسان إسرائيل التي لا تريد أثرا لقوة لها وزنها. وهل يعقل أن الولايات المتحدة التي كانت تواجه خمسة آلاف قنبلة روسية وألف قنبلة صينية تخشى قنبلة أو بضع قنابل إيرانية؟ إن الخوف هنا إسرائيل 100 في المائة وتخويف تركيا لا يختلف عن التصدي لإيران في حرب مستعرة، وجعلتها أمريكا مصدر رعب للعرب والمسلمين للمساهمة في تحدي إيران.
ومن فضل المولى - عز وجل - أن ينتفض الغرور الإسرائيلي بين وقت وآخر, ويرتكب حماقات وجرائم على غرار الهجوم على السفن المسالمة، ليكشف لنا حقيقة المخطط. وكل ما سيفعله أوباما هو مطالبة الدول الحليفة في المنطقة بضبط النفس والتوقف عن الضوضاء التي تزعج إسرائيل، وليس بقوته مع تعاظم دور اللوبي الإسرائيلي في بلاده أن يتخذ موقفا عقابياً حقيقياً.
وقد شبعنا من قراءة أخبار على شاكلة: نتنياهو يلغي زيارة لواشنطن, أو الدول الأوروبية تستدعي سفراءها في إسرائيل, أو أن بان كي مون مصدوم وهو مهندس قرارات العدوان التي تريدها أمريكا، أو نقل بيانات غضبة مفادها وقوامها الشجب والاستنكار. ونتساءل: أين الخلل؟ إنه كامن في ضعفنا وقلة الأوراق المتاحة لدينا وطمع إسرائيل في هذا الضعف وهي تشاهد تراجعا شديدا في العلوم والجيوش والإيجابية السياسية وتخويف شعوب المنطقة من اتخاذ «مواقف متهورة وحمقاء!»، لقد قرر الجميع ترك التهور والحماقة لإسرائيل مع أن القسوة مع القساة صدقة.
إن القارئ الذي نكتب له اختلف تماما، فهو قارئ يقرأ في مصادر متنوعة ويناقش ويسأل ويتساءل - وهو بحاجة إلى ردود مقنعة ومواقف قوية، ولا داعي للرعب الشديد لأن من يخاف من العفريت يظهر له العفريت. وكما قال المتنبي:
فحب الشجاع الحرب أورده التقى وخوف الجبان الحرب أورده الحربا
وبصريح العبارة لا يمحو وقع الدم إلا الدم، ولا بد من عمليات عسكرية توجع إسرائيل كي تتراجع، وقصتها مع الجنوب اللبناني وانسحابها الأحادي أكبر دليل على العقلية اليهودية، التي تحسب جيدا وتنسحب إذا تعرضت للخسارة.
ومهما حاول الحليف الأمريكي تخويفنا، فهو يسبح ضد التيار وهو الذي يؤمن في ثقافته بالثأر والقوة والعنف. لقد طالب بن حلي نائب الأمين العام لجامعة الدولة العربية «بردع إسرائيل المارقة من خلال موقف دولي». والموقف الدولي في شفرة السياسة المعاصرة هو الولايات المتحدة التي لا تنام ولا تهدأ إذا أرادت ضرب خصم، ولا تكل وهي تحشد الجميع وتضغط على كل من يخشاها ليقف ضد من تريد.
فهل يتوقع نائب الأمين العام تحركا دوليا إذا كانت واشنطن - اللاعب الرئيس - مؤيدة لكل ما تصنعه إسرائيل؟!
إن ما يحدث الآن يتجاوز الحدود ويتطلب التحرك بلغة تفهمها إسرائيل، لأن ما وصلنا إليه هو حاصل جمع مواقف الضعف التي تتجمع وتتراكم وتصنع حقائق سياسية هي أشبه بطرق مرصوفة لإسرائيل تنطلق عليها من أجل مزيد من العدوان.
نعلم أننا نصيح في الفضاء ونطالب بالمستحيل، لأننا لم نفعل خطوات لازمة على طريق التطور العلمي والعسكري، بما يجعلنا أهلا لردع المجرمين وإلزامهم القواعد والأصول الدولية في التعامل.
ونشكر المؤتمر الإسلامي الذي يطالب بعقد مجلس الأمن، وهو مجلس يختلف عن الذي تطلبه أمريكا لتأديب «المارقين» ونحيي المسؤولين الدوليين الذين يعربون عن القلق إزاء العنف الإسرائيلي ونثني على موقف اتحاد الصحفيين العرب الذي يطالب بمحاكمة قادة إسرائيل, ولكننا نعلم أن كل ذلك يدور في فلك تمرست عليه إسرائيل وهي تدرك سلفا أنها لن يمسها ضر ولا أذى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي