بتأمل الأمر الملكي رقم أ/66 وتاريخ 26/05/1431هـ الصادر بشأن فاجعة سيول محافظة جدة، والمتضمن عدة قرارات ومنها إحالة جميع المتهمين في هذه القضية إلى هيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة التحقيق والادعاء العام كل فيما يخصه، يثور تساؤل حول علاقة هيئة التحقيق والادعاء العام بمسار القضية، والتي يظهر للوهلة الأولى أنها قضية جرائم إدارية تتعلق بالمال العام والوظيفة العامة، والخاضعة لمجموعة نظم من أبرزها نظام حماية الأموال العامة، ونظام مكافحة سوء استعمال السلطة، ونظام تأديب الموظفين، ونظام مكافحة الرشوة، ونظام مكافحة التزوير، وغيرها من الأنظمة التي تدخل جميعها ضمن اختصاص هيئة الرقابة والتحقيق أو “النيابة الإدارية”، كما يسميها البعض، وذلك في مرحلتي التحقيق والادعاء أمام ديوان المظالم للمطالبة بالحق العام، ويمكن الإجابة عن هذا التساؤل عبر التنبؤ عن الإرادة الملكية من إحالة المتهمين لهيئة التحقيق والادعاء العام، وذلك بعرض اختصاصات هيئة التحقيق والادعاء العام على ما يمكن نسبه من جرائم خارجة عن اختصاص هيئة الرقابة لمتهمي فاجعة جدة، لتظهر لنا عدة احتمالات أولها هو توجيه التهمة ضدهم بالاعتداء على الأنفس والأموال الخاصة كون هيئة الرقابة والتحقيق غير مختصة بالتحقيق والادعاء العام في جرائم الاعتداء على الأنفس وعلى الأموال الخاصة، ورغم ضعف هذه الاحتمالية لغياب الركن المعنوي “القصد الجنائي” الموجب للحق العام إلا أنها تظل قائمة، والاحتمال الثاني هو استكمال هيئة التحقيق والادعاء العام لإجراءات استرداد المطلوبين في هذه القضية من خارج المملكة، وذلك عبر دائرة الاسترداد بهيئة التحقيق والادعاء العام، والاحتمال الثالث هو اقتران جرائم الفساد الإداري والمالي بجرائم أخرى تختص بها هيئة التحقيق والادعاء العام مثل جرائم غسيل الأموال، والمخدرات، وجرائم العرض، والابتزاز، والاعتداء على النفس وما دونها، وجرائم الأسلحة والذخائر، وجرائم أمن الدولة، وغيرها من الجرائم الخاضعة لاختصاص هيئة التحقيق، أما الاحتمال الأخير والأقوى حسب رأيي هو رغبة ولي الأمر بإيقاع حد الحرابة على المتهمين أو جزء منهم كون ما اقترفته أيديهم وخلفته أفعالهم من إهلاك للأنفس الزكية والأموال والممتلكات العامة والخاصة لا يخرج عن أعمال الفساد والإفساد والتخريب وإفزاع المجتمع وزعزعة أمنه التي فرض الله ردعها بحد الحرابة، حيث قال عزّ وجلّ في محكم كتابه:
(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) (المائدة:33) ويمكن استشفاف ذلك من قوة وعمق العبارات التي صيغ بها الأمر الملكي التي أوضحها في الاقتباس التالي “حتى نقف على الحقيقة بكامل تفاصيلها لإيقاع الجزاء الشرعي الرادع على كل من يثبت تورطه أو تقصيره في هذا المصاب المفجع، لا نخشى في الله لومه لائم”، فعبارة الجزاء الشرعي الرادع يمكن الاستدلال منها على أمرين، الأول إرادة الملك بإيقاع جزاءات شرعية (حدّية أو تعزيريّة) دون إسقاط الجزاءات النظامية التي ستطالب بها هيئة الرقابة والتحقيق، والثاني أن الهدف من الجزاءات المراد إيقاعها هو الردع العام قبل الزجر الفردي، وكلا الأمرين متحققان في حد الحرابة، والذي هو من ضمن الجرائم التي تختص بـها هيئة التحقيق والادعاء العام، ما يؤيد هذا الاحتمال الأخير حسب قراءتي الشخصية للقرار والذي قد أكون أصبت بأحد الاحتمالات التي افترضتها به أو بجميعها، وذلك لكثرة المتهمين في القضية وكثرة الاتهامات الموجهة ضدهم، وقد يكون جانبني الصواب، فإن أصبت فهذا من فضل ربي وتوفيقه وإن أخطأت فمن نفسي.
