Author

لا أعرف عنواني ولا كيف الوصول!

|
دعاني أحد الأصدقاء إلى العشاء في أحد الأحياء، فقلت له: ما عنوانك؟ فقال: لا أعرف؟ فقلت: كيف؟ فقال: دعني أصف لك الطريق، وأردف قائلاً: اخرج من الشارع الرئيس (..) بجوار الصيدلية، ثم انعطف يميناً حتى تصل “رابع شارع”، ثم “خذ أول شارع” إلى اليسار، وسيكون المنزل في الزاوية الشمالية الغربية، إنه البيت الوردي الواقع إلى جوار بقالة المودة. يتكرر.. ويتكرر هذا السيناريو في جميع مدننا الرئيسة! أليس هذا وضعا غريبا؟ نعم، يمكن أن يكون هذا الأمر مبرراً في بداية الطفرة التنموية التي شهدتها بلادنا، لكن أن يستمر الوضع هكذا على مدى العقود الثلاثة الماضية، فهو أمر لا يجد مبرراً منطقياً. لقد مرت المدن السعودية بتجارب متعددة في هذا الخصوص، لكنها لم تستفد منها في تطوير عناوين المساكن! والغريب أن جهات متعددة (حكومية وخاصة) لدى كل منها طريقتها وأنظمتها الخاصة بها لتحديد عناوين المساكن، فوزارة البلديات تقوم بإعداد عناوين لقطع الأراضي، ووزارة العدل تقوم بإعداد السجل العقاري، ووزارة الصحة تستخدم ترقيما للمساكن لغرض الخدمات الصحية، ومصلحة الإحصاءات العامة تستخدم أسلوباً مختلفاً لترقيم المساكن من أجل التعداد السكاني والمسوحات الديموغرافية. وعلاوة على ذلك، فإن شركات الكهرباء والهاتف تستخدم أساليب مختلفة في العناوين وترقيم المساكن. وفي الآونة الأخيرة قام البريد السعودي بإيجاد نظام للعناوين البريدية، ربما يكون مناسباً لأغراض البريد، لكنه بالتأكيد غير مناسب للاستخدام العام، إذ يقتصر استخدامه على المشتركين فقط، ولا يستطيع فك رموزه إلا البريد السعودي. وهذا الوضع يناقض المنطق القائل: إن عنوان المنزل هو حق لكل منزل، مثله في ذلك مثل اسم الشخص الذي هو حق شرعي لكل شخص منذ ولادته. إن هذا الاختلاف الكبير في العناوين وترقيم المساكن والأحياء، يُعوق الاعتماد على البيانات المكانية في التخطيط والدراسات، ويُقلل الاستفادة منها في المسائل الإدارية، ويُقلص فرص التواصل بين المنتجين للخدمات والسلع من جهة، والمستهلكين أو المستفيدين من جهة أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل المدن السعودية المدن الوحيدة في هذا العالم حتى يتطلب الأمر اختراع طريقة للعناوين؟! أليس هناك تجارب في الشرق والغرب يمكن الاستفادة منها بعد إدخال بعض التحسينات التي تتناسب مع الوضع في مدننا؟! ثم هل من الحكمة أن يُترك أمر تحديد نظام العناوين للشركات أو المؤسسات الخاصة، لاختيار الطريقة التي تناسب أغراضها، ما يفرز عديداً من الأساليب والأنظمة المختلفة؟ ألا يستحق هذا الأمر المهم أن يكون من الأولويات الوطنية لوزارة الاقتصاد والتخطيط أو وزارة البلديات؟ إن غياب عناوين واضحة وسهلة الاستخدام يؤدي إلى تأخير وصول الخدمات، كالدفاع المدني والشرطة، ويقلل من فاعلية هذه الأجهزة المهمة عند الحاجة إليها أو في أوقات الأزمات، كما أنه لا يُتيح الاستفادة من الخدمات الأخرى، كالتجارة من خلال البريد والإنترنت ونحوهما. ويُسهم هذا الوضع في إعاقة استخدام البريد بسهولة، ويحول دون وصول الناس إلى منازل أصدقائهم أو أقاربهم بسهولة. وعلاوة على ذلك، فإن غياب العناوين يُكلف الجهات المعنية بجمع البيانات تكاليف طائلة. فمصلحة الإحصاءات العامة تنفق الكثير من الوقت والمال من أجل ترقيم المساكن لحصرها والوصول إليها لإجراء التعداد السكاني أو المسوحات الديموغرافية. ختاماً، إن الأمر من الأهمية بمكان، بحيث لا ينبغي أن يُترك لاجتهادات خاصة أو فردية. فلا بد أن يحظى بالاهتمام الوطني وأن تُكلف إحدى الجهات الحكومية بإيجاد نظام سهل ومناسب لكل المدن والقرى السعودية، وذلك من خلال الاستفادة من خبرات الدول الأخرى؛ فلسنا نعيش وحدنا على سطح هذا الكوكب، لنعيد اختراع طريقة عنونة المساكن وترقيم الشوارع!
إنشرها