حتى لا يكون التأمين الإلزامي عبئاً على المواطن

رغم الفوائد الكبيرة للتأمين إلا أن الإلزام به قد يقود إلى الشعور بأن أي قرار في هذا الخصوص سببه تحقيق منافع مالية لشركات التأمين على حساب المواطن، خصوصاً أن الكثير من مواطنينا لا يدرك ماهية الفرق بين الرسم الذي تفرضه الدولة لمصلحتها وبين القسط التأميني الذي تحصل عليه شركات التأمين مقابل التزامها بتغطية خطر معين.
هذا الموقف يعززه كثيراً عدم إدراك بعض شركات التأمين الدور المنوط بها لتعزيز ونشر ثقافة التأمين في المملكة وتغيير النظرة السلبية عنه. بل إن البعض من هذه الشركات ساهم ومع الأسف الشديد في تعزيز النظرة السلبية عن التأمين من خلال التفنن في حرمان المستفيد أو مصادرة حقوقه التي تقررها الأنظمة المعنية في هذا الشأن وما هو مقرر كذلك في وثائقها التأمينية.
الإشكالية الأخرى التي قد تعوق الاستفادة من التأمين تتمثل باعتقاد البعض من أن التأمين الإلزامي يمثل ذريعة للدولة للتخلص من الخدمات المجانية التي تقدمها من خلال إسنادها إلى شركات التأمين بمقابل على أن تُلزم مواطنيها أو المقيمين على أرضها بالتأمين، بحيث يبدو الأمر وكأنه اتفاق بين شركات التأمين والدولة على هذه المسألة.
ومن وجهة نظري فإن هذا الاعتقاد سببه عدم إدراك البعض طبيعة الخدمات التي يمكن أن تقدمها الدولة من جهة وتلك التي تقدمها الجهات الأخرى العاملة في القطاع الخاص واختلاف فلسفة كل منها سواء من الناحية الاقتصادية أو القانونية. فالدولة تستطيع ببساطة فرض رسوم مقابل الخدمات التي تقوم بها ولكن ليس بالضرورة أن تعبّر هذه الرسوم المالية عن القيمة الحقيقية لهذه الخدمات، بينما الخدمات التي يُقدمها القطاع الخاص هي محكومة بمنطق اقتصادي بحت. كما أن الكثير من الخدمات التي تقدمها الدولة هي خدمات ذات بعد وطني واجتماعي ولا يمكن تحويلها إلى شركات القطاع الخاص ومنها بالطبع شركات التأمين، كتلك الخدمات المتعلقة بالضمان الاجتماعي والتعويض عن بعض المخاطر كالمخاطر المتولدة عن الأعمال الإرهابية أو الحروب وما إلى ذلك.
ولذلك فالتأمين الإلزامي عادة ما يقترن بالمسؤولية أي أن يكون هناك طرف ثالث يلزم حمايته في حال حصول الخطر مثل التأمين الإلزامي على المسئولية في حوادث السير أو التأمين الإلزامي على المسؤولية المتولدة عن ممارسة مهنة معينة كالتأمين على المسئولية الطبية وما إلى ذلك.
ولذلك فإن التأمين الإلزامي الخارج عن إطار المسؤولية سيكون أمراً غير مرحب به. كما أن المبالغة في نطاق التأمين الإلزامي هي مسألة ينبغي التنبه لها فالأمور ينبغي أن تقاس وتُؤخذ بمقدار الحاجة إليها، ولعلي أضرب مثالاً لذلك بالضمان الصحي الإلزامي على المقيمين العاملين في المملكة، فنحن قد تجاوزنا التغطيات المعقولة للعامل الأجنبي، بل تجاوزنا ما هو مطلوب منا بشكل كبير وقمنا بصياغة وثيقة تأمين صحي تلزم رب العمل بأن يدفع قيمة تغطيات لا تتفق مع كون هذا العامل قد قدم للعمل والمفروض منه أنه قد جاء وهو يتمتع بكامل صحته وأنه قادر على العمل، فالقطاع الصحي في المملكة أصبح يمثل منتجعاً صحياً للكثير من العمال الأجانب وكأنهم لم يأتوا للعمل بل للعلاج من مختلف الأمراض المزمنة والوبائية.
والسؤال هو: لماذا نتحمل علاج المقيم الأجنبي الذي يفترض أن يأتي خالياً من كل هذه الأمراض؟! وأرجو ألا يُفهم من كلامي بأنني ضد العمل الإنساني فكل شيء له مجاله، والعامل لم يأت إلا للعمل وأن يكون علاجه عن أي عارض صحي يلم به أثناء وجوده على رأس العمل في المملكة وعلاجه وتعويضه كذلك عن الأمراض والحوادث التي تصيبه بسبب ممارسته لعمله، أما ما زاد على ذلك فهو مبالغة سيدفع فاتورتها أنا وأنت أيها القارئ لأن رب العمل قادر على أن يُدخل تكاليف هذه التغطيات في فاتورته النهائية التي سيقدمها للمستهلك وسيدفعها كذلك هذا المستهلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي