في الشتاء دفء وفي الصيف جو معتدل يميل إلى البرودة، معادلة مناخية لا تتحقق إلا في البيوت الأثرية القديمة، ومنها بيت الباحة الأثري الذي يبنى ويدهن ويؤثث من الطبيعة، وهو الأمر الذي جعله يعكس المناخ الخارجي حيث إن أحجاره التي بني منها وطريقة تسقيفه وخلبه ساعدت جميعها في حياة الإنسان قديماً نظراً لعدم توافر التقنيات الحديثة التي تعمل على التبريد والتدفئة الآمنة والعملية .
بيت الباحة الأثري يبنى على قمم وسفوح الجبال وفي قطاع تهامة ولقد أعطى الاختلاف الكبير في المناخ وفي تضاريس الأرض تميزاً واختلافاً في الأنماط المعمارية للمساكن وفي مواد البناء المستخدمة وطرق الإنشاء المتبعة حيث روعي في تصميم المباني السكنية في المنطقة أن تتواءم وتتلاءم مع الظروف البيئية وكذا الاجتماعية كالعادات والتقاليد العربية القديمة .
ويبنى البيت في العادة من صخور الجرانيت والبازلت المتوافرة في المنطقة التي يتم تكسيرها وتفتيتها بمادة اللغب إلى أحجار متوسطة الحجم حيث يتم في البداية عمل قاعدة البيت وذلك بحفر ربض في الأرض بعمق متر إلى متر ونصف وعرض متر واحد تقريباً ومن ثم يتم ردم الحجارة في الربض حتى تتساوى مع سطح الأرض لتشكل قاعدة قوية للبناء الذي يبدأ بشكل منتظم ويستمر حتى ارتفاع باب المنزل ثم يتم وضع الجباهة وهي صخره كبيره توضع فوق الأبواب والنوافذ ويتم بعدها إكمال المبنى . وفي المرحلة الثانية للبيت يتم وضع المرازح التي تمثل الأعمدة الداخلية للمنزل وهي تؤخذ من أشجار العرعر الضخمة حيث يتم تقطيعها على شكل أعمدة ثم توضع عليها الفلكة وهي قطعة خشبية مقوسة تثبت عليها , وبعد رفعها بفرش قاعدة لها من الحجارة الصلبة يتم وضع الجوز التي تمتد من الجدار الخارجي للمنزل إلى المرزح في الداخل والغالب أن البيت الواحد يضم مرزحين في الداخل .
وتأتي بعد ذلك مرحلة تسقيف المنزل حيث يتم وضع أخشاب أشجار العرعر وهو ما يعرف بالبطن لتغطي السقف بالكامل ثم يتم جمع كمية من نبات العرفج ونبات المض المعروف بالجريد ويتم خلطها بالماء والتراب وهو ما يعرف بطينة البيت صبة السقف التي يتم وضعها على سقف المنزل دون أن يترك أي فراغ فيه .
وبعد أن تجف طينة البيت يتم عمل القترة وهي فتحة تهوية للمنزل تسمح بخروج الدخان منه أثناء الطبخ ثم يتم عمل الميزاب أو السرب الذي يتم من خلاله تصريف مياه الأمطار من سطح المنزل ويتم بعدها رص الحجارة على محيط السطح حتى لا تنجرف التربة بفعل الأمطار, وعادة ما يوضع في زوايا السطح والنوافذ والأبواب من حجارة المرو التي تزين الشكل الخارجي للبيت ثم يتم وضع الأبواب وهي ما يعرف بالمصراع ويتم أيضاً وضع النوافذ، البداية وهي جميعها مصنعة من الأخشاب يتم تزيينها والنقش عليها بحسب رغبة صاحب البيت .
ويعد بيت الباحة أنموذجاً فريداً في فن البناء التراثي فضلاً عن كونه يمثل ملحمة إنسانية كبيرة يتكاتف فيها كل أفراد المجتمع رجال ونساء فالجميع يشارك في البناء باختلاف أعمارهم ومهنهم وأعمالهم حيث أن صاحب البيت لدى فراغه من طينة السقف التي تستمر لمدة يوم كامل بمشاركة الجميع يقوم بإعداد وليمة كبيرة إكراماً لأهل قريته على وقفتهم المشرفة في إكمال بناء منزله, ويأتون في ذلك المساء بشاعر ويحتفلون جميعاً بهذه المناسبة.

