التأمين الصحي التجاري أو الاجتماعي .. هل المشكلة فيمن يتحمل القسط؟
قد يعتقد البعض أنه إذا قامت الدولة بتحمل أقساط التأمين الصحي بدلاً عن المواطنين وقيامها بدفع هذه الأقساط إلى شركات التأمين فإن ذلك سيخلق تأميناً صحياً اجتماعياً بعيداً عن التأمين التجاري، وهذا غير صحيح، فمجرد تحمُّل الدولة لأقساط التأمين الصحي لا يغير من الطبيعة التجارية للتأمين، فهو سيبقى تأمينا تجارياً والفرق سيكون فقط في شخص من يدفع القسط.
ولذلك فإن القول إن الدولة ستفرض شروطها على شركات التأمين فيما يخص حجم ونوع التغطيات فإنه وإن حصل ذلك فلا يغير هذا من طبيعة التأمين الخاص أو التجاري، حيث ستقوم شركات التأمين بتحديد القسط على أساس تجاري وبما يتناسب مع نوعية وحجم التغطيات التي تطلبها الدولة منها.
بل إن أي زيادة في التغطيات ستقابلها زيادة في مبلغ القسط، فالمسألة ستحكمها في النهاية قضية الربحية والحسابات الإكتوارية، والشيء الذي يمكن أن تفاوض الدولة فيه شركات التأمين هو في عدد المشمولين بالتأمين، حيث إن عدد المواطنين الذين تطلب الدولة تغطيتهم بالتأمين عبر هذه الشركات سيمثل رقماً كبيراً وستدخله شركات التأمين في اعتبارها عند تقديمها لأية تنازلات في شروط ونطاق التغطيات التأمينية التي تطلبها الدولة منها.
ولكن كما ذكرت فالمسالة تحكمها القواعد التجارية، إذ إن شركات التأمين ستحسب أرباحها التي ستجنيها في النهاية من هذا المشروع. كما أنها محكومة باتفاقيات إعادة تأمين؛ أي أن شركات إعادة التأمين العالمية لن تقبل بإعادة التأمين على شركات التأمين المحلية في حالة كون التأمين الذي تقوم به شركات التأمين لدينا غير تجاري أو غير ربحي.
والحل يكمن في أن تتبني الدولة إنشاء مؤسسة عامة غير ربحية لتغطية تكاليف الأمراض التي لا تقبل شركات التأمين تغطيتها لأنها ستسبب لها خسائر كبيرة مثل الأمراض المزمنة أو الخطيرة، أو أن شركة التأمين تقبل بتغطيتها ولكن بمقابل مالي كبير. لذلك فهذه المؤسسة المقترحة هي التي يمكن أن يوكل إليها التأمين الصحي الاجتماعي بعيداً عن شركات التأمين الربحية، ولكن هذا لا يعني إلغاء دور شركات التأمين التجاري بل ينبغي أن تبقى لأن لها دورا يجب أن تؤديه في التأمين الصحي التجاري بعيداً عن بيروقراطية المؤسسات التأمينية الحكومية غير الربحية وكذلك للتخفيف من أعباء هذه الأخيرة.
كما ينبغي كذلك تشجيع إنشاء شركات تأمين تعاوني حقيقي لتمارس دوراً وسطاً بين التأمين التجاري ومؤسسة التأمين الصحي الاجتماعي التي أقترحُ إنشاءها.
وبهذا ستكون لدينا منظومة متكاملة من الخدمات التي تقوم بها جهات مختلفة بحيث لا يكون كل طرف بديلاً عن الآخر، بل ينبغي أن يكون كل طرف في هذه المنظومة مسانداً للآخر ومكملاً له. ولذلك لا يمكن أن ننتهي إلى الحكم بفشل تجربة التأمين الصحي التجاري والمطالبة بالتحول إلى التأمين الصحي الاجتماعي غير الربحي، بل لا ينبغي أن ننسى الدور الكبير الذي تقوم به شركات التأمين لدينا ونجاح تجربة التأمين الصحي، وأشيد على وجه الخصوص بنجاح تجربة الضمان الصحي التعاوني التي يشرف عليها مجلس الضمان الصحي التعاوني لدينا وشمول التغطية التأمينية لما يقارب السبعة ملايين شخص من ضمنهم السعوديون العاملون في القطاع الخاص.
بل وانعكاس هذه التجربة على القطاع الصحي الخاص وتحسن أداؤه بشكل كبير، وكنت أتمنى أن يتم تقييم تجربة أداء القطاع الصحي الحكومي (غير الربحي) والنظر إلى تردي بل وانعدام كثير من الخدمات الصحية ومنها على سبيل المثال صعوبة الحصول على مواعيد في كثير من القطاعات الصحية الحكومية.