«الطبقية» نتيجة طبيعية للاختلافات البشرية

يتحاشى بعض المجتمعات التطرق لموضوع ''الطبقية'' أو ما تسمى أحيانا ''الطبقات الاجتماعية'', وترى أن أي أمة تتكون فيها الطبقية هي أمة مهانة وغير عادلة في توزيع ثروتها وتقسيم مواردها. وقبل أن نذهب قدما إلى صلب الموضوع نريد أن نعرف ما المقصود بـ ''الطبقية''؟ يعرف علماء الاجتماع ''الطبقية'' أو ''الطبقات الاجتماعية'' social classes بأنها مجموعة من القيم، والاهتمامات والسلوكيات والموارد التي تتشابه فيها مجموعة من الأفراد. و''الطبقية'' لا تعني ''الفئوية'', فالأولى طبيعة بشرية تتشكل عفويا نتيجة الاختلافات البشرية, أما الأخرى فهي انحراف للسلوك البشري ومؤشر على الفوضى وعدم العدالة.
والمجتمعات التي تنكر ''الطبقية'' كأنها تعارض قدرة الله - سبحانه وتعالى - الذي خلق الناس مختلفين في الرزق والقوة والتوفيق. الآيات القرآنية تبين أن الناس خلقوا مختلفين كي يبقوا في حاجة إلى بعضهم, يقول تعالى ''أهم يقسمون رحمة ربك، نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا، ورحمة ربك خير مما يجمعون'' الزخرف: 32، ولو كان الناس متساوين في الخلق والرزق لما استمرت الحياة كما قدر الله لها.
و''الطبقية'' كانت حاضرة في عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - فهناك السادة والموالي والعبيد، وهناك الأغنياء والفقراء. وهذا لا يتعارض مع المساواة التي ينادي بها النبي الكريم. فقد ساوى - صلى الله عليه وسلم - بين أبي بكر وبلال الحبشي لكنه لم ينكر أبدا اختلافهم في الرزق والنسب, فهذه طبيعة بشرية كالخلقة تماما. وأتى فقراء المهاجرين إلى الرسول الكريم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم. فقال ''وما ذاك؟''. فقالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق. فهل أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتقسيم أموال الأغنياء على الفقراء حتى يتمكنوا من مضاعفة أجورهم؟ كلا لم يفعل بل أرشدهم إلى طريق آخر تتضاعف به أجورهم دون المساس بالاختلافات في الأرزاق لأنها أقسام وهبات من رب الأرض والسماوات. فقال - صلى الله عليه وسلم - ''أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟'' قالوا بلى يا رسول الله. قال: ''تسبحون، وتحمدون، وتكبرون، دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين مرة''. فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله؟ فقال ''ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء''.
كما أن الأمم والحضارات تعترف بوجود ''الطبقية'' في مجتمعاتها وترى أن هذه سمات طبيعية لأي مجتمع وإنكارها ضرب من الجهل، لذا نراها تبتكر معايير منطقية لتصنيف مجتمعاتها. فعلى سبيل المثال لم تنكر الولايات المتحدة الطبقية في مجتمعها وتحاول إظهارها على السطح حتى يمكن التعامل معها والسيطرة عليها وتوجيهها.
صنف علماء الاجتماع المجتمع الأمريكي إلى سبع طبقات اجتماعية. تقع في قمة هرمه طبقة ''أعلى الأعلى'' وهم الأفراد الذين يعيشون على ثروة ورثوها ولهم خلفيات عائلية مرتفعة البناء، وهم يمثلون نحو 1 في المائة من المجتمع الأمريكي. يأتي في المرتبة الثانية ''أقل الأعلى'' وهم الذين يكسبون دخولهم من مقدرات استثنائية في مهنهم وأعمالهم، ويمثلون نحو 2 في المائة. وفي المرتبة الثالثة تأتي طبقة ''أعلى المتوسط'' وهم المهنيون وأصحاب أعمال مستقلون ومديرو بعض الشركات، تأتي بعدها الطبقة ''المتوسطة'' وهم أصحاب الياقات البيضاء والزرقاء متوسطو الدخل، تليها الطبقة ''العاملة'' وتمثل أعلى نسبة (38 في المائة) من المجتمع الأمريكي، ثم طبقة ''أعلى الدنيا'' الذين تكون نمط حياتهم أعلى من الفقر ويعيشون على الكفاف. أما الطبقة التي تقع في قاع هرم الطبقات الاجتماعية الأمريكي فيطلق عليها ''أقل الأقل'' وهم المتضح فقرهم ومنهم العاطلون والمشردون, بعضهم يعيش في العراء يتخذون من ظلال الجسور منازل تقيهم الشمس ومن النفايات مصادر غذائهم اليومي وتراهم أذلة صاغرين لا يعرفون من الحياة إلا الفقر والبؤس والفاقة.
هذه هي الطبقية في الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم صاحبة الديمقراطية وحقوق الإنسان وزعيمة الرأسمالية لم تخجل في نشرها بكل شفافية في التقارير الدورية والأبحاث الميدانية. ولا أرى في ذلك عيبا لأنها تتفق وطبيعة الحياة التي خلق الله الناس عليها فكان لازما دراستها وتوثيقها والتعرف على أصنافها ومحاولة تقريب الفجوات فيما بينها.
المنظمات الحكومية وغير الحكومية والجمعيات الخيرية تحتاج إلى سلم الطبقات الاجتماعية, فنحن في مجال الأعمال على سبيل المثال نحتاج إلى مثل هذه المعلومات في تسويق السلع والخدمات. عند تدريس طلابنا سلوك المستهلكين السعوديين وطريقة توزيعهم مواردهم لا نجد في الساحة دراسات عن الطبقية في السعودية فنستعين بالدراسات الأجنبية التي تختلف اختلافا جذريا عن مجتمعنا، وهذه النقطة تحتاج إلى مزيد من التفصيل نعرضه في مقال قادم ـ بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي