عبد الله جمعة .. رجل«أرامكو»
لقد حبا الله بلدنا مخزوناً من النفط يكفي عدداً من الأجيال القادمة بإذنه. هذا المخزون جعل السعودية أحد أهم اللاعبين في مجال الطاقة على المستوى الدولي. إدارة واستغلال هذا المخزون تقع على عاتق شركة أرامكو السعودية. أرامكو الشركة السعودية العملاقة التي يفخر كل سعودي بأنها شركة وطنية محلية بقدرات عالمية. تناوب على دفة هذه الشركة كثير من الرؤساء خلال السبعين عاماً الماضية ممن قبلوا هذه المسؤولية الكبيرة التي من شأنها أن تهد الجبال بثقلها. ولعل أحد أهم من أداروا هذه الشركة خلال عمرها الطويل هو الأستاذ عبد الله جمعة. أهمية إدارة عبد الله جمعة تأتي من ثلاثة محاور رئيسية. أول هذه المحاور هو حقيقة أن عبد الله جمعة قدم إلى رئاسة أرامكو في وقت عصيب جداً. أسعار البترول في منتصف التسعينيات كانت أقل من عشرة دولارات للبرميل الواحد وهو الأسوأ منذ السبعينيات. هذا النزول أدى إلى تأجيل كثير من المشاريع وترشيد الإنفاق على المستوى المحلي. ولكن الاقتصاد العالمي كان سعيداً بهذه الأسعار ولم تبطئ عملية الاقتصاد العالمي. وقيادة شركة نفط في خضم هذه التحديات التي تولد نوعاً من التشاؤم في مستقبل القطاع ككل هو محفز للقائد الإداري لإظهار مهاراته. وإظهار المهارات هو ما قام به عبد الله جمعة. فهو كخبير يعلم أن صناعة النفط تمر بمراحل ارتفاع وانخفاض تدور كل عدة سنوات (cyclical business) والشركات القوية لا توقف خططها بسبب مرورها بمرحلة انخفاض بل تعمل على المحافظة على نقاط قوتها وتتحين الفرص لزيادة هيمنتها على مجالها الاقتصادي. وهذا ما قام به عبد الله جمعة. أرامكو في منتصف التسعينيات وأواخرها استمرت في استراتيجيتها بالتوسع في منطقة شرق آسيا في نظرة مبكرة لتحول محور القوى الاقتصادية نحو آسيا. المحور الثاني الذي يميز مرحلة رئاسة عبد الله جمعة هو تحويل الشركة من النظرة المحلية إلى الرؤية العالمية وزيادة مجال أعمال الشركة من استخراج النفط إلى تحويل النفط ومشتقاته إلى منتجات ثانوية ذات ربحية أعلى بحيث تقلل من مرحلية وتقلبات أسعار النفط. وللقيام بذلك قامت الشركة بمشاركة شركات أخرى ببناء مجمع بيتروكيماويات في الصين ولها مبادرات مماثلة في السعودية اليوم. هذا التحويل من شركة نفط متخصصة إلى شركة عالمية تستفيد من منتجات النفط يتطلب رؤية قيادية ثاقبة وإصراراً وعزيمة لمواجهة من قد لا يتفقون مع هذا التغيير. هذه المرحلة وإلم تكن موثقة، فإنه من المؤكد أنها مرحلة صعبة ممتلئة بالمشاق والكثير من التعلم. المحور الثالث هو شخصية عبد الله جمعة. لا أعرف عبد الله جمعة كثيراً ولكني استمعت له مرة يلقي خطاباً يتحدث فيه عن استراتيجيات أرامكو وبهرت بما رأيته. الكاريزما يتحدث عنها الكثير بأنها إحدى أهم سمات القائد الناجح وذلك لأن الكاريزما تجذب لب المتلقي نحو القائد وتجعله ينصت (وليس فقط يسمع) لكل كلمة ينطق بها القائد. عبد الله جمعة يتمتع بكثير من الكاريزما وخلف هذه الكاريزما كثير من العلم. حينما تستمع للرجل فهو قارئ متعلم يتحدث عن ابن المقفع وأيزينهاور وغيرهم بما يضيف بعداً ثقافياً لعمله الإداري. كذلك يركز كثيراً على أهمية أن يقرأ الإنسان كثيراً خارج إطار عمله لأن كثيراً مما تتعلمه سيساعدك حتى في عملك. فمعرفتك بالثقافة الآسيوية تساعدك كثيراً عند جلوسك معهم على طاولة الحوار. ومعرفتك بالآداب والأساطير الغربية تساعدك كثيراً في فهم شخصية محاورك الغربي. بل إن استخدامك أسماء مشاهير وقصص تلك الثقافات تبين لهم مدى احترامك تلك الثقافة ما قد يبدد كثيراً من المعارضة لأفكارك ومقترحاتك. من الجميل أن نرى هذه النماذج الإدارية الرائعة ولكن من المؤسف ألا نعرف عنهم وإنجازاتهم وما مروا به إلا عن طريق السماع المباشر لهم. وحينما يغادرونا تذهب جميع خبراتهم معهم.