معالي الوزير .. أحقا مجانية التجوال تؤدي إلى البطالة؟!
تجربة خدمات الاتصالات لدينا في العقود الثلاثة الأخيرة حكاية تروى، أو رواية تحكى. كنت أظن أن فصلها الأخير طوي منذ سنوات إلى غير رجعة, إلا أن الوزارة والهيئة المعنيتين بهذا القطاع أطلتا علينا بملف التجوال المجاني, وما أدراك بالتجوال المجاني؛ فملفات الخدمات غير المجانية مختفية تستعصي على الفتح، أما ملف التجوال "نصف" نصف المجاني فقد ضاقت به أروقة الوزارة والهيئة. كيف لا وربما يكون سببا لانخفاض دخل شركات تقديم خدمة الاتصالات، ومن ثم يدفع هذه الشركات لتقليل مصروفاتها والاستغناء عن عدد من موظفيها ما يسبب بطالة في المجتمع؟! هذا ليس تحليلي؛ وإنما هو رأي الوزارة، قاله مسؤولها الأول في افتتاح معرض "جايتكس السعودية 2010" جريدة "الوطن" 12/5/1431هـ.
انتابني بعض تأنيب الضمير, إذ كيف أستقبل مكالمات مجانية أثناء سفري خارج المملكة على حساب مواطن يفقد وظيفته بسبب تدني دخل شركات الاتصالات من مجانية الخدمة؟! كيف لي أن أستمع إلى صوت ابنتي مجانا وطفلة أخي المواطن قد لا تجد لقمة عيش؛ لأن أباها فقد وظيفته من جراء مجانية تجوالي الدولي؟!
أكثر من 80 ألف مبتعث ومبتعثة, فضلا عن مرافقيهم؛ سيتسببون في ضرر الاقتصاد الوطني من جراء استخدامهم خدمة التجوال الدولي المجاني؛ فإما أن يتوقفوا عن هذه الخدمة المجانية، وإما أن يدفعوا تكاليفها، وإما أن يعودوا عاجلا إلى أرض الوطن!! أما مئات الآلاف الذين يسافرون سنويا؛ فهم من المقتدرين ولن تثقل كواهلهم هذه المصروفات البسيطة! العمالة الوافدة تشتري الشرائح والأجهزة المجهولة وتبيعها طول وعرض محال الاتصالات، وعلى أرصفة تقنية المعلومات، ولا يشكل ذلك هاجسا أمنيا للجهتين المعنيتين بالقطاع والحريصتين على أرباحه! عشرات الرسائل الاقتحامية تجوب جوالاتنا ليل نهار من "المساج" المجاني لقصائد ألف ليلة وليلة إلى عروض السيارات وقطع البيتزا؛ كل ذلك لا يكلفهما سؤالا: من ينتهك الحق في الخصوصية وسرية البيانات الشخصية؟ من يبيع معلوماتنا الشخصية لشركات التسويق؟ من يرسل ملايين الرسائل عرض الوطن وطوله بلا حسيب أو رقيب؟ كل ذلك غير جدير بالمواجهة، أم أنه لا يضر باقتصاد الوطن الذي يناله التجوال المجاني؟! درء المفاسد الاقتصادية، وسد ذرائع البطالة، وكون أغلبية المستفيدين من العمالة؛ جدير بمواجهة حاسمة لهذه الخدمة المجانية، لذلك فإن أسهل الحلول التقنية هو المنع، ولا يمنع ذلك من أن يصرح أصحاب السعادة رؤساء الشركات المشغلة باستمرار مجانية التجوال. بل قال مسؤول شركة موبايلي إن التجوال المجاني أسهم في زيادة أرباح الشركة. لا أدري هل أصدق صاحبي المعالي أم أصحاب السعادة؟!
أيام البرق والبريد والهاتف, عشنا تجارب الرقم المنحة، فقد كان الحصول على منحة أرض أسهل من الحصول على هاتف ثابت، في تلك الأيام كانت مكاتب العقار أكثر ربحية؛ فنشاطها كان يشمل السمسرة على خطوط الهاتف. وعندما أطل الجوال علينا وقفنا ندفع ما يعادل تقريبا راتب شهرين لموظف في المرتبة الثامنة للحصول على رقم جوال, لا أنسى اتصال صديقي عندما بشرني بأنه حصل على إيصال البنك، ثم جاءت معلقة "البيجر"؛ لتكون فصلا جديرا بالقراءة في الرواية، ومن "الكيل" الأخير في إبداعها!! مشكلة رواية الاتصالات في تلك الأيام الخوالي أنها ليست كمشاريع الصرف الصحي تكشفها السيول والأمطار كما حدث في محافظة جدة. إبداع التقنية لن ينتهي بمجانية التجوال، انتظروا المفاجأة القادمة، واستروا ما واجهتم!