الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الأحد, 14 ديسمبر 2025 | 23 جُمَادَى الثَّانِيَة 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين8.5
(-0.58%) -0.05
مجموعة تداول السعودية القابضة153.7
(-3.88%) -6.20
الشركة التعاونية للتأمين121.9
(-0.89%) -1.10
شركة الخدمات التجارية العربية126.8
(-0.39%) -0.50
شركة دراية المالية5.35
(0.19%) 0.01
شركة اليمامة للحديد والصلب32.2
(-4.73%) -1.60
البنك العربي الوطني21.8
(-3.54%) -0.80
شركة موبي الصناعية11.3
(3.67%) 0.40
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة30.82
(-5.75%) -1.88
شركة إتحاد مصانع الأسلاك20.91
(-3.46%) -0.75
بنك البلاد25
(-3.47%) -0.90
شركة أملاك العالمية للتمويل11.29
(-0.27%) -0.03
شركة المنجم للأغذية53.15
(-1.21%) -0.65
صندوق البلاد للأسهم الصينية11.86
(1.37%) 0.16
الشركة السعودية للصناعات الأساسية54
(-1.19%) -0.65
شركة سابك للمغذيات الزراعية115
(-0.95%) -1.10
شركة الحمادي القابضة28.46
(-1.11%) -0.32
شركة الوطنية للتأمين13.3
(1.92%) 0.25
أرامكو السعودية23.89
(-0.04%) -0.01
شركة الأميانت العربية السعودية16.65
(-2.80%) -0.48
البنك الأهلي السعودي37.58
(-1.78%) -0.68
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات29.34
(-1.41%) -0.42

في العدد الصادر يوم 29/3/1431هـ من جريدة «الوطن» الغراء قرأت رسالة للشيخ حمود بن حمد الحوشان مدير الإعلام في وزارة العدل، قال فيها: (إن قضاتنا هم الوحيدون عالميا الذين يؤدون عملهم بدوام دائم، ويستقبلون 790 ألفا سنويا).. ما إن قرأت قول الشيخ (هم الوحيدون عالميا الذين يؤدون عملهم بدوام دائم)، حتى خلت أن فضيلته يعتبر هذا ميزة تستحق الثناء.. وإذا كان الأمر هكذا فإني أستميحه عذرا إذا قلت.. أنه ظعن عن الصواب.. فأنا لا أظاهره في قوله إن دوام القاضي وعدم تفرغه هو مدعاة فخار لنظامنا القضائي.. وذلك ليقيني بأن هذا يعد مثلبا عاقبته، لها لا شك خطرها على العدالة، فكل من يهمه رفعة القضاء، والعلو بشأنه، يتمنى أن يتفرغ قضاتنا للقضاء، ومن ثم يزجون جل وقتهم لدراسة قضاياهم، حتى ولو لم يحضروا للمحكمة إلا في الأوقات المحددة لجلسات المرافعات.. فالتفرغ هو الذي يهب الفرصة والوقت للقاضي لدراسة القضايا دراسة يستكنه بها ما خبا من حقائق، فالقاضي ليس موظفا عاديا.. يلتزم بدوام عادي ويوقع أو يدير أعمالا لا تحتاج إلى دراسة وبحث وإعمال نظرا، بل هو صاحب ولاية القضاء بين الناس، وهي ولاية تسدي له القول بحكم العدالة البتار في الأموال والحقوق والرقاب، لأنه هو الذي تناط به سلطة الفصل في النزاعات الشاجرة بينهم، وبدهي أن هذا كله يحتم عليه التفرغ لما هو ضالع به من مهام.. إذ عليه نظر القضايا ودراستها دراسة متأنية يستجلي بها ما ظهر منها وما بطن، أما ملازمته للدوام كموظف عادي، كما هو صائر الآن، فإنها لا شك صادفة له عن القضاء في الخصومات المثارة أمامه على الوجه الذي تلزم به بدائه العدالة، فهو قد يصيبه الونى وهو على هذه الحال عن إدارة جلسات قضائه كما يلزم أن تدار، أي على وجه منظم بحيث يكون له براح من الوقت يطرح فيه أسئلته واستفساراته على الأخصام محققا في القضية تحقيقا يتعرف على ما انبهم عليه منها..، إذ هذا ما تفرضه عليه قواعد الشرع ويلزم به منطق القضاء، فالقاضي لدينا وإلى هذه الساعة ـ مع الأسف ـ يبدأ (دوامه) ولا أقول جلساته في (مكتب) وليس مجلس القضاء، فهم لا يجلسون لأصحاب القضايا في صالات تنبئ بهيبة القضاء وسلطانه المستقل، ينظرون فيها القضايا أمام الملأ.. فهذا ما تقضي به ضرورات العلن للجلسات التي ألزم بها قانون المرافعات. أقول.. يبدأ دوامه بطلب حضور الأخصام لأول قضية ستنظر، فيدخل الأخصام ثم يغلق باب مكتبه وينفرد بهم، وهذا يعني أنه ينظر في قضاياه من وراء حجاز، رغم إلزام قانون المرافعات الشرعية الساري الآن بعلانية الجلسات.. أي أن الغلبة من القضاة يزدرون ـ مع الأسف ـ نصوصه التي قضت بذلك، أما ما ينظره، فهو أمشاج من قضايا، إذ قد يبدأ يومه بقضية طلاق، ثم نزاع على ملكية عقار، ثم قضية رهن، ثم قضية نفقة، ثم بيع، وقد يبارح مجلس قضائه في وقت دوامه هذا، ويذهب مع هيئة النظر لمعاينة أرض لاستخراج حجة استحكام، وفي يوم معين يذهب مع اثنين من زملائه لنظر قضايا جنائية، كقضايا مخدرات أو سرقة أو خلافه، ثم يؤوب إلى مكتبه للتوقيع على بعض الأوراق، وربما نظر بعد ذلك قضية فحواها نزاع تجاري، أو نزاع على إرث، وفي بعض الأحيان قد تطول المرافعات المكتوبة فيطول وقت رصدها في محاضر الضبط (وهو ما فرضته مع الأسف اللائحة التنفيذية لقانون المرافعات التي أصدرتها وزارة العدل عند بدى سريانه)، فهذه اللائحة التي أصدرتها هذه الوزارة في سالف عهدها، كانت نكلا على أصحاب القضايا وسير المرافعات، فهي قد أهدرت نصوص القانون نفسه التي أتت بأهم إصلاح فيه، وهو أن يكتفي القضاة بقيد المذكرة وضمها لملف القضية، ولا يسجل في المحضر إلا ما يقال شفاهة، فاللائحة أعادت الأمور جذعة إذ راحت تطبق ما درجت عليه المحاكم لعهود موغلة، وآية ذلك.. هو أن نكد الطالع شاء أن يأتي نص في اللائحة التنفيذية ملزما بأن يسجل كل ما فاه به الأخصام شفاهة وما قدموا من مذكرات مكتوبة في محاضر الضبط التي أرمس عليها الدهر.. فالكل يعرف أن وجودها وتنظيمها قد كرت عليه عهود تصّاعد إلى عهود العثمانيين، ورغم مخالفة نص اللائحة هذه لقانون المرافعات.. إلا أن قضاتنا ينصاعون لهذا النص كدأبهم قبل صدور هذا القانون عامين عما ألزم به هذا الأخير، وفي هذا لا شك غواية عن نصوص القانون لأن نص اللائحة يعد باطلا في الشرع، إذ إنها صدرت بقرار وزير.. وقراره لا يضارع القانون الذي صدر بمرسوم ملكي، ولا مرية أن تطبيق نص اللائحة أورث الوني والإطالة في نظر القاضي لقضاياه، لأن كتابة مذكرات باليد في المحاضر تذهب جل وقت (دوامه).. لذا فهو في بعض أيامه لا ينظر إلا قضية أو قضيتين، ثم يؤجل الباقي إلى آماد تتطاول لشهور، فيتسرمد نظر القضايا، بل ولهذا يرتكس نظرها أمام القضاء لآماد تضاهي السنين، بل إن بعضهم لا يرى غضاضة في الصد أثناء الجلسة عن نظر قضايا، إذ قد ينبذها وراءه للتوقيع على أوراق إثبات حياة أو إثبات وفاة، وإلى غير ذلك مما غث أو هان من أمور أخر لا آصرة لها بقضائه، وبعضهم يؤوب إلى منزله ما إن يصلي الظهر، دون أخذه لصور المرافعات المكتوبة وأوراق القضايا اللازمة معه كي يكب عليها في داره، أو في مكتبة بها مراجع علمية (فالمحاكم لدينا خالية من المكتبات الحاوية لمتون الفقه والمراجع اللازمة والتشريعات والدوريات وخلافه)، لذا فالبعض منهم مع الأسف، لا يدرس قضاياه إلا خلال برهة يهتبلها بين نظر قضية وقضية والتي قد لا تفيض على نصف أو ربع ساعة، وهذا يعني أنهم يمرون على قضاياهم مرور الكرام.

وإذا كان الأمر هكذا، فإن القاضي قد يصدر حكما في قضية معينة وهو غير مدرك من حقائقها إلا العذار، بل إن بعضهم يرنحه نظر القضايا بسبب كثرتها، فيتغشاه جفول من نظر بعضها إذا تعقدت، فيعتلث بأعذار واهنة كي لا يجشم نفسه عناء ذلك، أو أنه يحكم في جانب منها عازبا عن صلبها، بل قد يدركه الوهن من قضية كثرت أوراقها وكبرت إضباراتها بعد أن استطال نظرها، فيتضاجع عن بذل ما تلزم به هذه القضايا من جهد وعناء، لأن الغلبة الغالبة منهم ـ كما أسلفت ـ لا يدرس القضايا.. بعد أيابه لداره.. أزيد على هذا وأقول ـ وقد حدث هذا لي ـ إن عدم التفرغ ولكثرة القضايا جعل بعض القضاة يرتاع إذا قدم له خصم من الأخصام مذكرة من أربع أو خمس صفحات، لذا.. فإنه لا يزعه ضميره عن إجباره.. نعم إجبار صاحب القضية بألا يتعدى ما يقدمه من طلبات أو دفوع بضعة أسطر، حذر ما خاله من عناء قد ينوء به لو قرأ مرافعات حوت عدة صفحات، فهو غير متفرغ لهذا.. ولا جدل أن هذا ينطوي على هضم للمترافع لأنه سيضطر إلى حذف كثير مما انتضاه، وهو يغالب خصمه، من حجج ركن فيها إلى متون الفقه.. ولا مرية أن صنيع القاضي فيه حيف يضار به أحد الأخصام.. وتتأذى منه العدالة.. كل هذا.. جعلني أجترئ على القول إن عدم تفرغ القاضي له عاقبة أخرى.. وأي عاقبة، فالكثير منهم ـ مع الأسف ـ يثاقل ـ لانشغاله بدوامه ـ عن التسبيب الصحيح لحكمه.. وهو أمر يتطلب مقارنة الحجة بالحجة فيروز هذه وتلك، مع تأصيل ما ذهب إليه في حكمه، موضحا ما اعتصم به من قواعد في الفقه، لذا فإن الكثير من قضاتنا يكتفي بسرد أقوال كل خصم ثم يختم حكمه بسببين أو ثلاثة ـ وأحيانا بدون ذلك ـ بعد أن آوى في ذلك على ظاهر الأمر، ثم يذيل كل هذا بقوله.. (ثبت عندي).. ومهما يكن من أمر.. فإننا لو يممنا النظر إلى القضاة في الدنيا كلها وبجهاتها الأربع، فإننا نراهم منصرفين لنظر القضايا، بل إن بعضهم قد لا يأتي إلا يومين أو ثلاثة للمحكمة كي ينظر قضاياه في جلسات محددة في أوقات محددة ولا ينظر فيها غيرها، يأخذ فيها براحه من الوقت فيحقق بطرحه الأسئلة التي لها ضرورة لمعرفة الحقائق وقبوله المذكرات، وما معها من وثائق التي تقيد في محضر الجلسة لإثبات استلامها، ثم يضم لملف القضية دون إعادة لكتابتها، ثم يأخذ صورا مما قدمه الأخصام ويذهب إلى مكتبة المحكمة أو في مكتبته في البيت ويقضي سحابة نهاره، وربما إلى الهزيع الأخير من الليل وهو مكب على قضاياه دارسا ومنقبا يؤوب خلالها إلى المراجع الفقهية والقانونية، ثم يعكف على ما يلزم تطبيقه من قواعد بعد أن راز صلب ما في القضية، وما حوت من طلبات ودفوع مع ما أدلى به كل خصم وهو يحاج خصمه ليستظهر الحجج ومن منهم حجته ضارسة نضاحة بالحقيقة، ثم يكتب حيثيات حكمه بعد أن تدبر المهم والقاطع من هذه الأقوال وما ظافرها من رفد لها في متون الفقه، ينبئ بما قضت قواعد الشرع والقانون أو ما أجمع عليه الفقهاء حول ما هو ناظر، ثم بعد هذا يصدر حكمه الذي يقطع فيه بمن هو على حق من الأخصام.. وما أقوله هنا شهد لي به الشيخ الحوشاني نفسه، عندما ذيل تصريحه بما يشايعني في قولي هذا..، وذلك حين قال (إن دراسة القضايا وإصدار الحكم فيها لا يأتي إلا بانفراد القاضي مع المراجع والكتب الفقهية والملفات وأوراق القضايا)، بل زاد بما آزرني أكثر فأكثر حين قال: (إن البعض يشفق على القضاة من كثرة ما يناط بهم من أعمال في أكثرها ليست من اختصاصهم).

قصارى القول أن عدم تفرغ القاضي لدينا هو ولا مرية من المثالب التي اعتورت نظامنا القضائي.. إلا أن ما يذهب الكدر هنا هو النهج الذي يسير عليه ولاة الأمر في أيامنا هذه والقائمون على القضاء وخصوصا أولئك الذين هم على هامة نظامنا القضائي كرئيس مجلس القضاء ووزير العدل ورئيس ديوان المظالم.. فهم يدركون وفقهم الله أن التخصص لدى القضاة وإيجاد المحاكم المتخصصة، وإعادة طرائق تأهيل القضاة عبر تطوير للمناهج وتدريب، هي حلول لا يتزاور عنها من يبتغي الرقي بنظامنا القضائي.. وهذا بالبداهة يجعل آمالنا عراضا في الإصلاح والتغيير الذي سيأتي بدون جدل بعد أن ولى إلى غير أوبة ذلك الذي شاءت عاثرات الجدود أن يظل عثارا يكبو به في ذلك الزمان الغابر كل نهج جديد إربه الإصلاح والرقي بالقضاء.

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية
هل يداوم القاضي أم يتفرغ؟