مجلس الوزراء والتأمين الصحي على المسافرين

كنت قد كتبت في هذه الصحيفة قبل نحو عام موضوعا عن التأمين على المواطنين السعوديين المسافرين للخارج، وتمنيت بألا يسافر أحد من هؤلاء المواطنين إلا بعد أن يحمل معه وثيقة تأمين السفر. وإنها لمسألة إيجابية كذلك أن يصدر قرار مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي حول قيام مجلس الضمان الصحي التعاوني بدراسة مسألة إلزام المواطنين المسافرين للخارج بالحصول على تأمين صحي.
في الحقيقة أن هذا القرار يعكس حرص الدولة على عدم تعرُّض مواطنيها المسافرين للخارج لأي إشكالات مادية تطرأ لهم نتيجة تعرضهم لأزمة صحية طارئة أثناء وجودهم في الخارج. كما أن هذا المشروع - في حالة إقراره - سيوفر على الدولة أعباء مالية كبيرة نتيجة عدم تحمّل ممثلياتها في الخارج تكاليف علاج الحالات الطارئة التي لم تكن في حسبان هذه الممثليات. مع ملاحظة أن هذه المسألة لا تتعلق بالمواطنين السعوديين الحاصلين على أوامر أو قرارات علاج في الخارج وتتحمل الدولة نفقة علاجهم، فهؤلاء تتحمل المكاتب الصحية في السفارات أو الجهات الضامنة لهم تكاليف علاجهم في الخارج.
كما يجدر التنبيه بأنه من غير المتصور فنياً أو منطقياًً أن تقوم شركات التأمين بالتأمين على السعوديين المرضى الذين يقصدون السفر للعلاج في الخارج، لأنه في عرف التأمين لا يجوز التأمين على خطر قائم أو واقع، فالتأمين يكون على شيء مستقبلي ومحتمل الحدوث، ولذلك فمن غير المتصور وكما أشيع خطأً في بعض وسائل الإعلام بأن القرار الصادر من مجلس الوزراء يتعلق بدراسة إلزام المواطنين قاصدي السفر للعلاج في الخارج، فهذا ما لا يمكن أن تقوم به شركات التأمين لدينا ولا أي شركة تأمين في العالم لأنه يتنافى مع أعراف التأمين وفنياته، فالمقصود من القرار هو إلزام المواطنين المسافرين للخارج بحمل وثيقة تأمين صحي صادرة من شركة تأمين محلية ومعتمدة بحيث تغطي هذه الوثيقة الحالات المرضية التي قد تحصل للمواطن أثناء وجوده خارج المملكة وذلك كي لا يُسبب المرض الحاصل له في الخارج أي إرباك مالي سواء له أو للسفارة السعودية في البلد الذي يوجد فيها هذا المواطن، بحيث يقتصر دور هذه السفارة أو الممثلية على تقديم النصح والمشورة والإرشاد له عن أفضل المستشفيات والأطباء أو المراكز الصحية التي من المناسب أن يتعالج فيها.
وفي الحقيقة، فإن قرار إلزامية تأمين السفر - في حال اعتماده - سيمثّل خطوة عملية لتوفير تغطية سريعة وعاجله وفاعلة للمواطن المسافر للخارج. كما أنه سيُفرغ الممثليات والمكاتب الصحية في الخارج لمتابعة المرضى الحاصلين على أحقيّة علاج خارجي والصرف عليهم. كما أن هذا الأمر سيمثل سوقاً جديدة لشركات التأمين لدينا، ولكن ينبغي أن تكون هناك رقابة فاعلة على سعر الوثيقة ونطاق التغطيات.
وقد يكون من المناسب اعتماد وثيقة موحدة للتأمين على المسافرين السعوديين تتحدد فيها التغطيات والتحديدات والاستثناءات بحيث تتحقق حماية قصوى للمواطنين المسافرين للخارج. وهذه الوثيقة سيكون لها مجال أيضاً في اعتماد تغطيات إضافية للمواطن السعودي المسافر للخارج تشمل تعويضه في حال السرقة أو فقد الأمتعة أو تأخر الرحلة.
وللعلم فإن هذه التغطيات موجودة في وثيقة السفر التي تصدرها شركات التأمين حالياً، ولذلك فمن المناسب استمرارها والوقوف ضد قيام شركات التأمين بإلغاء هذه الميزات نظراً لأنها قد تجنح إلى هذه الخطوة على اعتبار أن تأمين السفر في هذه الحالة أصبح إلزاميا. كما ينبغي ألا تتحول هذه الوثيقة لمجرد شرط شكلي للسماح للمواطن بالسفر للخارج دون أن تقابلها خدمات علاجية حقيقية في حال الحاجة إليها، ولذلك يجب أن تكون الخدمات المقدمة في الدولة المسافر إليها المواطن متاحة وبالمستوى اللائق بموجب هذه الوثيقة، لا أن يقوم بالصرف على نفسه في العلاج مع وجود هذه الوثيقة، وهو ما أكده قرار مجلس الوزراء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي