تمثل حوادث الطرق أحد المشاكل التي تتسم بالاستمرارية، ولها انعكاسات سلبية على الموارد البشرية والاقتصادية على النطاقين الخاص والعام. ولا يقتصر الثمن الباهظ للحادث على طرفيه وإنما يتعدى أثره إلى الأسر والمجتمع والدولة. الرعونة في لحظة من اللحظات قد تؤدي إلى تداعيات لسنوات. وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى وفاة حوالي 1.2 مليون شخص كل عام بسبب الحوادث، وأن هذا العدد سيرتفع بنسبة 65 % خلال العقدين القادمين. ويصل عدد الذين يتعرضون للإصابة في العالم كل عام بسبب الحوادث إلى 50 مليون شخص. ويزيد عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن الحوادث في الدول النامية عن مثيله في الدول المتقدمة. وتوجد أعلى معدلات الوفاة والإصابة في أفريقيا والشرق الأوسط. وتـتسبَّب الحوادث المرورية في خسائر تبلغ حوالي 518 بليون دولار على مستوى العالم تشمل التكلفة المادية والصحية وغيرهما.
وقد شهدت المملكة العربية السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية ازدهاراً اقتصادياً ونمواً ملموساً في جميع القطاعات ومنها قطاع النقل والمواصلات؛ وهو ما أدى إلى زيادة حركة المرور، وكانت لهذه الزيادة جوانب سلبية تمثلت في ارتفاع معدلات المشكلات المرورية ومنها حوادث السيارات. وبرغم الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين في التصدي لهذه المشكلة إلا أن معدل الوفيات الناجمة عن حوادث المرور يأتي في المرتبة الثانية بعد معدل الوفيات الناجمة عن الأمراض السارية. وتشير الإحصائيات إلى وقوع 4.3 مليون حادث سير في المملكة خلال الـ 19 عاما الماضية نتج عنها 86 ألف حالة وفاة و611 ألف حالة إصابة. وتعد منطقة الرياض ضمن مناطق المقدمة فى ترتيب حوادث المرور لكل ألف شخص خلال الفترة من 1990 حتى العام 2008. وتشير الاحصائيات كذلك إلى أن معدل وفيات الحوادث السنوى يبلغ حوالي 1000 شخص، وأن نسبة الوفيات من إجمالى نسبة المصابين فى الحوادث تبلغ 17 %، أي يتوفى 17 شخص من كل مئة شخص يتعرضون لحادث. ومن حيث تركز المخاطر المرورية تأتى منطقة الرياض فى المرتبة الأولى تليها منطقة مكة المكرمة ثم المنطقة الشرقية, إذ يقع في هذه المناطق الثلاث 80 % من الحوادث التي تقع في المملكة.
هذه البيانات والإحصائيات لها تداعيات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة. وتتمثل التداعيات الاقتصادية المباشرة في الأرقام التي تشير إلى الخسائر المادية التي تصيب السيارة والممتلكات العامة والخاصة. وقد قدرت الخسائر المادية المباشرة الناتجة عن الحوادث المرورية في المملكة بمبلغ يقع بين 7- 41 مليار ريال سنويا، مع توقع ارتفاعه الى 55 مليار ريال عام 2020م، وهو ما يمثل في المتوسط نحو 4 % من فاقد الناتج الوطني للمملكة سنويا، وهو ما يضاهي نظيره في الدول الصناعية.
وفي سياق الآثار الاقتصادية غير المباشرة تؤدي حوادث الطرق إلى ضياع الطاقات البشرية عند ارتفاع معدلات الوفيات أو تزايد عدد المصابين من جرائها بأنواع مختلفة من العجز والإعاقة والتي تؤثر على الفرد وتحد من قدراته المختلفة وما يصاحبها من أزمات ومشاكل اجتماعية واقتصادية ونفسية. وهكذا تؤدي الحوادث إلى هدر في أهم عنصر من عناصر الإنتاج وهو عنصر العمل. وتبرز المشكلة بشكل أكثر وضوحاً إذا علمنا أن أكثر الفئات العمرية تعرضا للحوادث من هم في ريعان الشباب ولاسيَّما الذكور في الفئة العمرية من 20 – 35 عاماً بعد أن تحصلت هذه الفئة على جزء كبير من الدخل القومي في تربيتها وعلاجها وتعليمها وتأهيلها. وتوجد علاقة طردية بين حجم الخسائر البشرية للحوادث المرورية وفاقد الاقتصادي الوطني، والذي يشمل تكاليف العلاج الطبي والإسعافي، والتلفيات العامة والخاصة، وكلفة المتابعة الإدارية، وخسائر أرباب العمل. الآثار الاجتماعية للحوادث لها من ناحية أخرى آثار اقتصادية غير مباشرة إضافة إلى كونها أشد إيلاماً. فمن إفرازات الحوادث فقد رب الأسرة وانقطاع الدخل، وضعف القدرة على الأداء والعمل، وانحراف الأبناء وضعف تربيتهم، والاختلال في التركيبة الاجتماعية على مستوى المجتمع، وما من شك في وجود آثار اقتصادية غير مباشرة لهذه التداعيات الاجتماعية للحوادث تحتاج إلى استنفار جهود الباحثين لمحاولة تحديدها وقياسها.
