التحفيز في بيئة العمل
طالما كان نظام الحوافز يحتل مراكز متأخرة في أولويات معظم الشركات العائلية ويتم اعتباره شيئا ثانويا ويعامل بسطحية وتتم معالجته وتنفيذه بطرق كلاسيكية ومزاجية في أغلبية الأحيان. ومع تنامي الوعي وإدراك أهمية الاهتمام بالموظفين ووجود إدارات الموارد البشرية في أغلبية الشركات والمؤسسات الكبرى التي تسلمت زمام الأمور في العناية بشؤون الموظف وشجونه أضحى تحفيز الموظفين واقعاً ملموساً ومبنياً على أسس علمية ومقياس يميز الشركات التي تعنى بموظفيها وتحرص على استمرارهم معها عن تلك التي لا تبالي بالأمر وتخسر موظفيها نتيجة لذلك.
وكما هو معلوم فإن إيجاد الموظف الجيد ليس بالأمر السهل، كما أن المحافظة عليه وضمان استمراره وولائه أصبح أمراً صعباً في ظل المنافسة الكبيرة والطلب المستمر على الكفاءات المتميزة والمتزايد يوماً بعد يوم. ومن الأحرى بأصحاب العمل أو المديرين التنفيذيين ألا يكون جل اعتمادهم على القانون لضمان بقاء الموظف ضمن فريق عمل الشركة، فإن هذا لن يكون كافياً في أحيان كثيرة.
وتحفيز الموظفين لمن يلتبس عليه جوهره يهدف لتوثيق العلاقة بين الموظف وشركته من خلال جملة من الحقوق والواجبات بين الطرفين تسعى الشركة فيها لكسب ولاء الموظف ومنحه الشعور بالأمان وتعده بمستقبل مشرق وحياة مهنية مستقرة يتطلع فيها الموظف للتطور والتجدد مع تطور الشركة وكبر حجمها وتوسع أعمالها. ولعل أول ما يخطر في بال الكثير عند ذكر التحفيز هو أن يتم صرف مكافآت مالية للموظفين تكون في مواسم أو مناسبات معينة، وهذا التخمين غير دقيق، وأصبح من عادات العمل القديمة التي لم تعد تصلح لزماننا مع تطور أساليب العمل وتفعيل دور الموارد البشرية في صنع وتحفيز الموظفين وجعل العملية أكثر شمولية واستراتيجية. وهنا بعض الطرق التي من شأنها إعطاء بعض الأفكار أو شرحها تساعد في فهم أهمية الحوافز للموظف وللشركة على حد سواء.
التحفيز المادي
على الرغم من كون المال ليس بالأهم في ترتيب الحوافز ولكنه الأكثر شيوعاً وانتشاراً في مجتمع العمل في بلادنا. حيث لا يزال الموظف يحول جميع المزايا والخواص الوظيفية إلى أرقام تضاف إلى رصيده. كما لا يزال صاحب العمل يستعمل سلاح المال للعمل على تحفيز الموظف وتشجيعه على العطاء. وحذار هنا من فكرة تخصيص الموظف بمكافآت دورية في المواسم أو مع إصدار الميزانية إلى ما شابه، حيث غالباً ما تكون المبالغ متساوية، حيث إن تلك لن تكون أكثر من زيادة في الراتب يعتبرها الموظف حقا مكتسبا سيطالب به في حال توقفها، وبذلك تكون هذه المكافأة قد فقدت قدرتها على التحفيز وربما أعطت انطباعاً عكسياً.
وهنا لا يفضل خبراء الموارد البشرية أن يكون المال (وخصوصاً بهذه الطريقة) ضمن خيارات التحفيز ويستعيضون عنه بفكرة تقديم دخل معتدل ومقنع للموظف وضمان زيادة راتبه طرداً مع الزمن والأداء، وهذا كفيل ألا يفكر الموظف أو ينتظر دخلا إضافيا غير الموعود به.
ولا بد هنا من الاعتراف بفشل كثير من الشركات في تطوير نظام متكامل لسلم الرواتب في منشآتهم يمنح الموظف كامل حقوق الدرجة في حال بلوغها. والأكثر غرابة في هذا الموضوع أن أنظمة سلم الرواتب مطبقة في معظم المؤسسات الحكومية في العالم وحتى الفقيرة منها، في حين عجز القطاع الخاص في أغلبية الأحيان عن تبني أحدها أو تطويره وإجراء التعديلات اللازمة عليه، وتبرز حجة خصوصية بيئة العمل في المملكة التي تحول دون تطبيق مثل هذه التجربة بسبب تعدد الجنسيات العاملة واختلاف طابع العلاقة بين الموظف والشركة من مؤسسة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر، ويبقى هذا العذر موضع تساؤل ومكانا لعدد كبير من إشارات الاستفهام.