13 سببا تدفعنا إلى إعادة النظر في إدارة الطلب على المياه
تمثل ندرة الموارد المائية أصعب وأهم التحديات التي تواجه التنمية المستدامة في المملكة، بحكم ظروفها المناخية الجافة وموقعها في بيئة صحراوية تفتقر بشدة إلى الموارد العذبة للمياه، وتشكل ندرة المياه تهديداً أساسياً للتنمية ليس في المملكة فقط ولكن في العالم بشكل عام حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو ثلاثة مليارات شخص وهو تقريباً ما يوازي نحو ثلث سكان العالم سيعانون من نقص حاد في المياه خلال السنوات الـ 25 المقبلة وهناك 17 دولة ومن بينها المملكة التي تواجه ندره مطلقة في المياه وهي الوضع أو الحالة التي تكون فيها الكمية المتاحة سنويا لكل فرد من السكان من المياه العذبة القابلة للتجدد أقل من ألف مترمكعب.
ومنذ عام 1990م أصبحت المملكة ضمن مجموعة الدول ذات الندرة المائية المطلقة، بل إن الوضع يقترب كثيرا من الوضع المائي الحرج، حيث تناقص نصيب الفرد من المياه في المملكة من 680 مترا مكعبا في عام 1950 إلى 148 مترا مكعبا في عام 1990، ويتوقع أن يصل إلى 54م3 في عام 2025م، وقد زاد إجمالي استهلاك المياه في المملكة بمقدار 7.5 ضعف من عام 1980م وحتى عام 2000م بسبب الزيادة السكانية والاستقدام غير المرشد للعمالة وخاصة العمالة المنزلية التي تشكل أهم عوامل الإسراف وسوء استخدام المياه، وكذلك ارتفاع مستوى المعيشة وتغير نمط الاستهلاك للمياه وزيادة استهلاك القطاعات الإنتاجية الأخرى ومن أهمها القطاع الزراعي الذي يشكل عبئاً كبيراً على الموارد المائية المحددة في المملكة، حيث إن هذا القطاع يستهلك نحو 85 في المائة من مواردنا المائية، ولقد كان لسياسة التوسع الزراعي غير الرشيد خلال العقود الثلاثة الماضية وخاصة في الجانب الاستثماري منه الأثر الكبير في انخفاض مستوى المياه الجوفية حيث تم استنزاف نحو 60 في المائة من المياه الجوفية في مشاريع زراعية استثمارية غير اقتصادية.
تشكل إدارة الطلب على المياه المنزلية تحدياً لوزارة المياه والكهرباء على وجه الخصوص نظراً لمساسها المباشر بحياة الناس خاصة في المدن الرئيسة مثل الرياض وجدة والدمام وغيرها، حيث إن أي نقص أو انقطاع للمياه ولو لفترة وجيزة يبرزه الإعلام بشكل واضح، مما ينعكس سلباً على الجهود التي تبذلها الوزارة في سبيل تعزيز مصادر المياه وترشيد استخدامها.
ماذا نعني بإدارة الطلب على المياه؟
هذا التعريف يعني: التخطيط والتطوير والتنسيق بين جميع القطاعات المستخدمة للمياه بمن فيها وأهمها المستهلكون لها. مع الأخذ في الحسبان الأبعاد البيئية والاقتصادية والفنية والسلوكية، بغرض الاستخدام الأمثل للمياه وعدم الإسراف فيها.
لماذا الاهتمام بإدارة الطلب أكثر من تعزيز مصادر المياه والاهتمام بجانب العرض؟
هناك توجه عالمي بالتحول من الاهتمام بتعزيز مصادر المياه إلى إعطاء جانب الطلب الأهمية، وذلك عن طريق حسن إدارة المياه بطرق تحقق أقصى استفادة منها بأقل تكلفة ممكنة، حفاظاً على التوازن البيئي والتفاعل مع موارد المياه كسلعة اقتصادية.
وتعد المملكة من أكثر الدول حاجة للتعامل مع المعروض من المياه بما يحقق حسن استخدامها للأسباب التالية:
- الظروف المناخية الجافة وموقع المملكة في بيئة صحراوية جافة تفتقر بشدة إلى موارد المياه العذبة الطبيعية، حيث تنعدم فيها الأنهار والبحيرات العذبة وتتصف معدلات سقوط الأمطار بالشح والتذبذب.
- تواجه المملكة ندرة مطلقة في المياه كونها واحدة من أعلى خمس دول في العالم لديها ندرة مطلقة في المياه.
- ارتفاع معدل النمو السكاني وارتفاع مستوى المعيشة وزيادة وتيرة التنمية في المملكة خلال العقود الماضية مع تغير ملحوظ في نمط الاستهلاك للمياه في المملكة.
- انخفاض مخزون المياه غير المتجددة خلال العقود الثلاثة الماضية إلى نحو 60 في المائة نتيجة للسياسات الاستثمارية غير الرشيدة، خاصة في مجال الزراعة بشكل عام وزراعة القمح والأعلاف بشكل خاص.
- وجود الملايين من العمالة الوافدة وخاصة المنزلية التي تمثل عبئاً كبيراً على الموارد المائية في المملكة.
- انخفاض أسعار المياه مقارنة ببقية ما تصرفه الأسرة مثل تكلفة الكهرباء، والغذاء ووسائل الاتصال ووسائل النقل، والترقية والسفر وغيرها، رغم أن الماء يعد أهمها، وباستعراض تكلفة المياه بالمتر المكعب في بعض الدول وجد أنها في نيويورك 2.5 ريال، لندن 4.5 ريال، مانيلا سبعة ريالات، أكرا 8.5، كولومبيا 11 ريالا، بينما في المملكة تكلفة المتر المكعب لمياه الشبكة عشر هلالات.
- ارتفاع تكلفة إنتاج المياه وخاصة المحلاة منها، حيث يكلف إنتاج المتر المكعب من المياه نحو 5.3 ريال.
- ارتفاع معدل الاستهلاك للمياه في المملكة مقارنة بعدد من دول إفريقيا وكندا وأوروبا، حيث إن معدل استهلاك الفرد للمياه في المملكة نحو 286 لترا في اليوم، وفي مدينة الرياض يصل استهلاك الفرد إلى نحو 320 لترا يومياً في حين أن معظم الدول يقل استهلاك الفرد فيها عن 180لترا في اليوم.
ارتفاع نسبة التسرب من مياه الشبكة، إذ يمثل نحو 30 في المائة في الوقت الحالي.
- استمرار ظاهرة الإسراف في المياه وسوء استخدامها خاصة في غسيل السيارات والأفنية وفي المطابخ من قبل العمالة المنزلية وبالتحديد أثناء الإجازات الأسبوعية رغم ما قامت به الوزارة من حملات ترشيدية.
تعد المملكة أكبر دولة منتجة للمياه المحلاة وتعتمد المدن الرئيسة مثل الرياض في جزء من احتياجاتها عليها نحو 40 في المائة.
- رغم ما تبذله الوزارة من جهد وما تفعله في سبيل تعزيز مصادر المياه إلا أن انقطاع المياه عن حي واحد ولو مره واحدة في العام يشكل ضغطاً إعلاميا نظرا لحساسية وأهمية المياه في القطاع المنزلي أكثر من بقية القطاعات الأخرى.
- مسؤولية إدارة الطلب على المياه وحسن استخدامها وعدم الإسراف فيها مسؤولية عامة لا يمكن للوزارة بمفردها أن تواجهما مهما أوتيت من إمكانات مادية وبشرية.
مبادئ مؤتمر دبلن «حول الإدارة المتكاملة للموارد المائية»
يعد الماء محدودا وقابلا للنضوب وعنصراً أساسياً لاستدامة الحياة «الماء هو الحياة» وتطوير الموارد المائية وإدارتها يتطلب المشاركة الفاعلة من كل من المستخدمين، والمخططين، وصانعي القرار على جميع المستويات.
وهناك دور رئيس ومحوري للمرأة خاصة في جانب إدارة الطلب على المياه كونها المسؤول الأول عن حسن استخدام المياه خاصة المنزلية فيها.
فالماء له قيمة اقتصادية من حيث تكلفة إنتاجه ولا بد أن يعامل كسلعة اقتصادية لحسن استخدامه وترشيده. إن الظروف المناخية القاسية وكذلك التغير المناخي الذي تعيشه المملكة والمتمثل في عدم هطول الأمطار خلال السنوات الخمس الماضية وزيادة السكان، وزيادة الإسراف في المياه وزيادة وتيرة التنمية والتوسع العمراني سواءً الرأسي أو الأفقي منه يحتم علينا أن نفكر بصورة مغايرة في إدارة الطلب على المياه إذ إن جانب العرض وهو توفير مصادر مياه جديدة أصبح مكلفا جداً، وخاصة التحلية حيث إن المملكة هي الدولة رقم واحد في العالم في إنتاج المياه المحلاة بوجود أكثر من 30 محطة تحلية.
وكيل عمادة البحث العلمي في جامعة الملك سعود
باحث في شؤون إدارة الموارد المائية وترشيد استخدامها