هل التأمين صناعة أم تجارة؟
في أول وهلة سيلاحظ أن المقال سيتطرق إلى موضوع التأمين كما تطرق إليه كثير من الكتاب والمختصين في مجال التأمين ، إلا إنهم قد اجتهدوا في توضيح مفاهيم ومبادئ التأمين سواء على نطاق المفهوم الخاص أو العام ، وهذا ما جعلني أتجاوز الكتابة في موضوع التأمين بذاته لأن المقالات التي تناولتها الصحف المحلية في مواضيع التأمين قتلت بحثاً , وما كان علي أن أتناول الجانب الآخر ذا الأهمية الكبرى التي تجاهلها جميع المختصين أثناء طرحهم قضايا التأمين ، الا وهي ألمخاطر وأثرها في صناعة التأمين . أقول وبالله التوفيق ، إذا كنا نعتبر التأمين صناعة فهي قوة دافعة للاقتصاد ، بل مؤشر دقيق على كفاءة تنفيذ ومتابعة المشاريع الحالية والمنفذة وأيضاً المشاريع المخطط تنفيذها في المستقبل . أما إذا كان التأمين عبارة عن نشاط تجاري فهو بلا شك شرخ في هيكل الاقتصاد تستنزفه شركات التأمين من خلال البرامج التأمينية لتحقيق عوائد مالية بغض النظر هل استفاد منها المؤمن له أم لا . فصناعة التأمين تعتمد اعتماداً كبيراً على دراسة وتحليل المخاطر أو إذا لم أكون مخطئاً فإنه لا وجود للتأمين في غياب المخاطر. فعنصر الخطر هو المحرك الأساسي للعملية التأمينية وعلى هذا الأساس غلب على مفهوم التأمين النشاط التجاري حيث امتهنت شركات التأمين الأعمال التأمينية لتحقيق الربحية فقط مقابل توفير التغطية التأمينية للمشاريع الفردية والتجارية بعد تضليل المستفيد بحجم الأخطار وإمكانية حدوثها ومقدار الخسائر التي سيتحملها إذا لم تتم تغطيتها بالسرعة الممكنة ، وعند استكمال التعاقد التأميني بين الطرفين ( المؤمن والمؤمن له ) عندها وبعد فترة وجيزة قد تكون بعد حصول الحادث أو بعد انتهاء العقد التأميني ستظهر ردود فعل المؤمن له السلبية على شركة التأمين وذلك لعدم حصوله على الخدمات المطلوبة أو التعويض المنصف للحادث الذي تعرض له , ولكوننا مختصين في مجال التأمين لا يمكن أن نكون بجانب الدفاع عن مفهوم التأمين طالما أن هناك متضررين من العملية التأمينية ، ولكن هل سألنا أنفسنا لماذا يغلب على مفهوم التأمين صفة التلاعب والاحتيال وعدم الشفافية ؟
ببساطة الجواب ينصب على غياب ما يسمى بمصطلح ( إدارة الدراسات وتحليل المخاطر ) وهذا المفهوم مغيب لدى مؤسسات الدولة الذي من شأنه تحويل مفهوم التأمين من المفهوم التجاري إلى المفهوم الصناعي الداعم للاقتصاد سواء على مستوى الفرد أو الدولة ككل . إذن كيف لمؤسسة صغيرة كمؤسسة إدارة الدراسات وتحليل المخاطر تدعم الاقتصاد بكل المقاييس؟ لكي نجيب عن هذا السؤال ، قبلها يجب أن نتفق على أن إدارة الدراسات وتحليل المخاطر لا يقوم بها موظفو البلدية في مراقبة المحال التجارية والمطاعم من حيث التزامهم بتطبيق الشروط الخاصة بمزاولة النشاط التجاري , وكذلك ليست بالهيئة العامة للمواصفات والمقاييس بل هي مؤسسة مستقلة تهتم بمراقبة مهام جميع أعمال القطاعين العام والخاص من حيث رصد البيانات وتحليل المعلومات وبناء الاستنتاجات وفقاً للضوابط الفنية والاجتماعية والاقتصادية والتي من ثم تعطي مخرجات على شكل تقارير تتضمن التوصيات والقرارات الواجب الأخذ بها وتطبيقها في الفترات المحددة.إذن ما هي التوصيات والقرارات التي ستخرج معها إدارة الدراسات وتحليل المخاطر في تحويل مفهوم التأمين إلى المفهوم الصناعي الداعم للاقتصاد ؟ أنا لا أريد التطرق إلى مواضيع أو أمثلة تجعل بعض المؤسسات العامة في موقف محرج وإنما الغرض الأساسي هو عرض بعض المخاطر التي حدثت نتيجة لتغييب مؤسسة إدارة الدراسات وتحليل المخاطر والتي من شأنها رفع معدلات الخسائر والمفترض أن تكون في أبسط صورها مع وجود مؤسسة مثل مؤسسة دراسة وتحليل المخاطر ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر التوصيات والقرارات التي تؤدي إلى تخفيض عدد الحوادث السيارات وتخفيض حجم الخسائر المادية في الأرواح والممتلكات التي كان سببها سلوكيات الأفراد في قطع الإشارات أو انتقالهم بين الشوارع التي لم تنجز أرصفتها بعد أو تقليل في حجم سرقات المحال التجارية والناتجة عن عدم وجود خدمة الربط السري بين المحال التجارية ومراكز الشرطة أو تقليل مخاطر احتراق المولدات الكهربائية وانقطاع التيار الكهربائي والناتجة عن زيادة الأحمال من ناحية وعدم استخدام بدائل توليد الطاقة الكهربائية كالمراوح وأجهزة الطاقة الشمسية والتي بدورها ستقلل من مشاكل تلف الأجهزة الكهربائية والمواد الغذائية، وهناك الكثير والكثير من المخاطر لا يسعنا أن نذكرها بقدر توجيه الضوء على أهمية تأسيس ما يسمى بإنشاء إدارة الدراسات وتحليل المخاطر والتي بدورها ستسهم في بناء ودعم الاقتصاد الوطني وذلك من خلال تقليل حجم المخاطر الخسائر والتي دائماً تتحجج بها شركات التأمين كالأزمة العالمية وأحداث سبتمبر ولا شك كارثة مدينة جدة وكل هذا يدعم أو يعطي العذر لشركات التأمين في رفع تكاليف التأمين غير المبررة ورسم صورة للمؤمن له تسودها الضبابية وتجبره على دفع أو تحمل تكاليف غير حقيقية كانت سبباً في ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض معدلات الربحية السنوية، وأما على مستوى الفرد ستكون اشتراكات التأمين سبباً في خفض مستوى المعيشة وتحميلها على قائمة الالتزامات الشهرية. وهكذا تدريجياً تبدأ إدارة الدراسات وتحليل المخاطر بإنجازاتها على الجانبين المستهدفين في هذا المقال، هو جانب تطوير في البنية التحتية لقطاعات الدولة المختلفة ودعم للاقتصاد المحلي سواء بالطريقة المباشرة أوغير المباشرة وهذا بلا شك سينعكس إيجابياً على حجم المخاطر ومعدل الخسائر التي يتعرض لها المجتمع على مدار اليوم والشهر والسنة ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل سيكون الجانب الآخر في ربط كلا المستفيدين (المؤمن والمؤمن له) بصورة واضحة من الشفافية يمكن من خلالها عقد صفقات التأمين من غير مشاكل أو تدليس أو في الحدود الدنيا.