هل أسباب تحريم التأمين منطقية؟ «3 من 3»

السبب الثالث الذي استند إليه من قال بتحريم التأمين هو أنه عقد قائم على الربا حيث إن ما تدفعه شركة التأمين إلى المستأمن أو ورثته بعد فترة من العقد إما أن يكون أقل مما دفعه المستأمن من أقساط أو مساوياً لها أو أكثر، فإن كان ما قبضه المستأمن أكبر من القسط الذي دفعه كان فيه ربا الفضل من جهة وربا النسيئة من جهة أخرى، والتأمين من وجهة نظرهم قائم على اشتراط الزيادة في معاوضة المال بالمال مع تأخير المدة واشتراطها في المعاملة وهذا يقود إلى اعتبار المعاملة ربا، ولذلك وبحسب رأيهم فالتأمين حرام لوجود الربا فيه علاوة على أن شركة التأمين تستثمر أموالها في الربا.
والحقيقة أن الحكم على عقد التأمين بأنه من عقود الربا هو أمر ينافي طبيعة عقد التأمين وغايته، فوظيفة التأمين في الغالب هي جبر الضرر وإعادة المتضرر إلى الحال التي كان عليها قبل حصول الضرر، فهو ليس بمبادلة مال بمال حتى نقيس على القلة أو الكثرة فيما يقبضه كل طرف في التأمين، وبالتالي نقول إن هذا ربا فضل أو نسيئة. فشركة التأمين ملتزمة بموجب تأمين المسؤولية بإصلاح الضرر بالطريقة التي تراها مناسبة فمن تتعرض سيارته لحادث سير في التأمين الشامل مثلاً فإن شركة التأمين تلتزم بإصلاح السيارة إن كانت قابلة لإصلاح وإلا ستدفع له قيمتها عند حصول الحادث، ولذلك فطبيعة التزام شركة التأمين هو القيام بعمل وهو تعويض المستفيد عن قيمة الضرر وليس بالضرورة أن يأخذ هذا التعويض شكل دفع نقود للمتضرر وإنما قد يكون عيناً.
فقد يتفق المستفيد مع شركة التأمين في تأمين السرقة مثلاً على أن يكون التعويض عيناً، وهذا ينسحب أيضاً على تأمين الأشخاص وتحديداً في التأمين الصحي، فشركة التأمين تتحمل تكاليف علاج المستفيد. ومن هذا نستنتج أن غاية التأمين قائمة على التكاتف ضد حصول الخطر والتعويض عن الأضرار المترتبة عليه في حال حصوله.
ولا يمكن القول إن الاتفاق بين المستأمن وشركة التأمين كان على المضاربة بالمال أو أن تقوم شركة التأمين برد المال الذي قبضته من المستأمن أو احتساب مبلغ التعويض الذي تكفلت به الشركة على أساس ما تم دفعه من أقساط.
وإذا كان هذا الوضع ظاهراً في كثير من أنواع التأمين إلا أن هناك نوعا من التأمين وهو التأمين على الحياة أو التأمين الادخاري كما يُسمى لدينا في المملكة ومن صوره أن يتفق المستأمن مع شركة التأمين بأن يقوم بدفع أقساط شهرية أو سنوية إلى الشركة لمدة طويلة 15 سنة مثلاً ثم يُعاد إليه هذا المبلغ مع فوائد إضافية متفقٌ سلفاً على نسبتها وهذا الاتفاق لا شك في حرمته لأنه أحد تطبيقات الربا.
ومع ذلك فإن عقد التأمين المتضمن لهذا الشرط ليس محرماً بذاته وإلا لقلنا إن نظام التقاعد المعمول به هو حرام كذلك لأن التقاعد هو إحدى صور التأمين الادخاري، ولكن حرمة هذا العقد جاءت من دخول الشرط الربوي عليه وهي الفوائد المتفق عليها بنسبة ثابتة، فلو تصورنا مثلاً أن الاتفاق كان بين المستأمن وشركة التأمين على أن تقوم الشركة بالمضاربة بالمبلغ ويعاد إليه رأس المال إضافة إلى حصة من الربح لانتفت عنه الحرمة وأصبح العقد مشروعا ًشأنه بذلك شأن أي عقد آخر يمكن تنقيته من الشرط الربوي. وهذا الكلام ينسحب كذلك على استثمار شركات التأمين لأموالها في محافظ ربوية أو الاقتراض والإقراض والحرمة هنا لا تقتصر على شركات التأمين وإنما على كل شركة أياً كان نوعها أو مجال عملها تستثمر أموالها بصورة غير شرعية كالشركات الصناعية والزراعية وغيرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي