سوق التأمين السعودي .. بالإمكان أفضل مما كان
أجمع الخبراء في صناعة التأمين على التفاؤل بواقع سوق التأمين السعودية ومستقبلها مع توقعات باستمرار نموها متجاوزة الأزمة المالية العالمية وفق نتائج السوق عام 2008 التي حققت نمواً بنسبة 27 في المائة وبإجمالي أقساط تقدر بـ 10,9 مليار ريال وكذلك وجود مؤشرات إيجابية لنتائج الشركات التي أعلنت عنها عن عام 2009 التي تشير إلى تجاوز حجم السوق 14 مليار ريال.
ورغم كل هذه المؤشرات إلا أن هناك ظروفا صعبة تواجه كثيرا من الشركات خاصة الجديدة منها التي تكافح من أجل تكوين محفظة تأمينية تساعدها على اختراق السوق، ما أدى إلى وجود بعض التباطؤ الذي انتاب السوق السعودية.
إن استمرار خسائر بعض الشركات التي لم تصل إلى نقطة التعادل حتى اليوم رغم أن السوق تتملك طاقات تأمينية هائلة وعدد الشركات العاملة في السوق أيضاً يعد مقبولاً، كل ذلك يحتاج إلى وقفه من قبل الجهة المنظمة لقطاع التأمين مؤسسة النقد العربي السعودية "ساما".
إن بعض شركات التأمين حصلت على ترخيص بالعمل منذ عامين تقريباً وفقاً لذلك لم تعد جديدة إلا أن الحالة التي تعيشها هذه الشركات هي في الواقع امتداد للعشوائية وعدم المهنية التي كانت سائدة قبل صدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني عام 2004.
نحن ندرك أن مؤسسة النقد قامت وعلى مدى السنوات الخمس الماضية بجهود جبارة لتضميد جروح السوق إذا صح التعبير من أثار ما قبل التنظيم إلا أن الوضع داخل السوق لم يصل إلى أدنى مستوى للشفاء من وجهة نظر بعض العاملين في سوق التأمين.
لقد أصدرت "ساما" اللائحة التنظيمية لنظام التأمين وأعقبتها بإصدار كثير من التعليمات والقواعد المنظمة لعمل شركات التأمين وحددت أدوار جميع الهياكل المتعلقة بنشاط التأمين وتعددت الأنظمة والإجراءات الرقابية، ومع ذلك لم نرَ تفعيلاً لكل ذلك على أرض الواقع وبالتالي لم تحقق تلك الأنظمة حتى الآن النتائج المرجوة.
ربما يعزى ذلك إلى محدودية الخبرة التأمينية لدى العاملين في مؤسسة النقد أو قلة عدد المراقبين المؤهلين علمياً لتطبيق القواعد والأنظمة الرقابية على أنشطة التأمين التي تتطلب درجة عالية من المهنية والاحترافية مع خبرة عملية تحيط بجوانب الممارسات التأمينية المختلفة.
وكي يكون تقييم الأداء الرقابي لمؤسسة النقد منطقياً فإنني أقدم أمثلة لذلك ليكون الأمر أكثر وضوحاً. فلو تصفحنا على سبيل المثال بعض أهداف النظام كما وردت في المادة الثانية من اللائحة التنظيمية فإنها تشير إلى حماية حقوق المؤمن لهم والمستثمرين، وتشجيع المنافسة العادلة، وتوطيد استقرار سوق التأمين فضلاً عن تطوير قطاع التأمين في المملكة بما في ذلك التدريب وتوطين الوظائف.
والسؤال الذي يطرح نفسه، إلى أي مدى نجحت مؤسسة النقد في تحقيق الأهداف التي أشارت إليها المادة الثانية الموضحة أعلاه؟ بل لنكن أكثر تحديداً، هل نجحت الجهة المنظمة في تحقيق التدريب وتوطين الوظائف في سوق التأمين وألزمت شركات التأمين بالنسبة المقررة لتوطين الوظائف مع زيادتها بمعدلات ثابتة سنوياً بحيث تحقق في النهاية التوطين الكامل لوظائف التأمين؟
الواقع العملي في بعض الشركات يشير إلى أن مناصبها محتكرة لجنسيات معينة, مما يذكرنا ببعض نشاطات المنشآت الصغيرة التي يستحيل دخول أبناء الوطن فيها, ونحن هنا لا نرفض الوافد الكفء بل نرحب بالمؤهل والخبير أياً كانت جنسيته، فاقتصادنا مفتوح ولكن نرفض أن تستغل الشركات الجديدة لتقليل نسب البطالة في دول أخرى ونرفض أن نكون مختبرا لتعلم التأمين، لأن خسائر التعلم في التأمين فادحة.
إن بعض القيادات والعاملين في بعض الشركات الجديدة لا يحمل أي خبرات تأمينية ومع ذلك يتقلد منصباً يحتاج إلى مهنية تأمينية عالية لاتخاذ القرار كون التأمين عملية معقدة ومتشعبة وتحتاج إلى أشخاص مؤهلين ولديهم نظرة مستقبلية لا تغلب عليها الأهداف الشخصية.
لقد سئم المهتمون في صناعة التأمين من وضع الخطط على الورق وعدم تطبيقها على أرض الواقع وعدم النظر إلى التأمين بنفس الأهمية التي ينظر إليها في القطاعات الأخرى، فالتأمين لا يقل أهمية عن الاتصالات والمصارف، والسياحة. إن أمام وزارة العمل فرصاً سانحة لتقليل نسبة البطالة بين المواطنين من خلال ما يتوفر من وظائف في قطاع التأمين لكن كل ذلك يحتاج إلى أشخاص يعملون بإخلاص ويتتبعون اتجاه بوصلة ولاة الأمر الذين لم يألوا جهداً في خدمة الوطن والمواطن.
وللنهوض بصناعة التأمين نحتاج إلى تضافر جهود عدة جهات لتفعيل تطبيق الأنظمة، لكن هذا يدفعنا إلى المطالبة بضرورة إنشاء هيئة تأمين مستقلة يعمل فيها أشخاص مؤهلون يخبرون أسرار هذا النشاط ويقودون صناعة التأمين في المملكة بنجاح لتحقيق الأهداف التي حددها نظام التأمين وبالتالي ينعكس كل ذلك على دعم الاقتصاد الوطني السعودي ويحقق الفوائد المرجوة لجميع المواطنين.