احتواء إيران

احتواء إيران

يجد باراك أوباما اليوم نفسه في وضع لا يحسد عليه في مجال الإصلاح الصحي وأيضا في مجال جهوده لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية. فقد فاتت المواعيد النهائية التي حددها دون أن يفي بها، وقد لا يحصل على عدد كاف من الأصوات حتى لو تم إقرار مشروع القانون سيكون ضعيفا.
كما هو الحال في مجال الرعاية الصحية، دخل أوباما البيت الأبيض بفكرة جريئة. فقد كان يعتزم اتباع سياسة مختلفة تماما عن سلفه ومد يد الصداقة لإيران. وإذا رفضتها إيران أو رفضت الاعتراف بأنشطتها النووية، سيعرف العالم المسؤول عن استمرار العداء بين الدولتين. وسيمكّن هذا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من فرض مجموعة رابعة من العقوبات الاقتصادية - عقوبات ''تشل إيران'' هذه المرة - التي ستجبر آيات الله على الامتثال لالتزاماتهم النووية.
وبدأ عرض أوباما بإشراك إيران بداية جيدة. ففي جنيف في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كان يبدو أن الإيرانيين سيوافقون على شحن معظم مخزونهم النووي إلى روسيا لفترة معينة، ما بدد المخاوف من قدرتهم على تخصيب كمية كافية من اليورانيوم قريبا لصنع قنبلة. إلا أنهم تراجعوا لاحقا - لكنهم أغضبوا روسيا حين فعلوا ذلك، ما جعلها أكثر تقبلا للضغوط التي تقودها أمريكا لفرض عقوبات جديدة.
إلا أن الصين لا تزال غير مقتنعة. وفي الآونة الأخيرة، قام مسؤولان أمريكيان- هما Jeff Bader من البيت الأبيض وJim Steinberg من وزارة الخارجية - بزيارة بكين للضغط من أجل إصدار قرار جديد. لكن أمريكا في عجلة من أمرها. فهي تريد أن يتم اتخاذ إجراءات في مجلس الأمن قبل أن تتولى لبنان (حيث إن النفوذ الإيراني قوي) الرئاسة في أيار (مايو) وقبل أن يبدأ مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي في نيويورك.
ويقول مسؤول رفيع في الإدارة إن Bader وSteinberg أجريا ''نقاشات جيدة'' في بكين: فمن مصلحة الصين، مثل أمريكا، أن يكون الخليج مستقرا وهي لا تريد أن تصبح إيران مسلحة نوويا. إلا أن تقارير الدبلوماسيين من دول غربية أخرى تفيد أن الصينيين يقولون إنهم يعارضون فرض عقوبات جديدة طالما أن هناك ''فرصة ولو 1 في المائة'' بفتح حوار مستقبلي (وهو وهم يبرع الإيرانيون في إيهامه للناس). وعلى الرغم من أن الصين تنفر من استخدام حق النقض وحدها في مجلس الأمن، إلا أن ثقتها المتزايدة بنفسها باعتبارها قوة عظمى توحي بأنها قد تفعل ذلك الآن. وحتى لو لانت الصين، ستحرص على الأرجح على ألا تسبب أي عقوبات تقرها الأمم المتحدة الشلل لإيران على الإطلاق.
وفي الوقت نفسه الذي يحاول فيه أوباما إقناع الصين المتعنتة، يكافح أيضا لكبح غضب الكونجرس. وكانت المشاعر المعادية لإيران قد تولدت في الكونجرس الأمريكي بسبب خطاب الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي ينفي فيه الهولوكوست، لكنها بلغت مستويات ملتهبة منذ الحملة القاسية التي فرضها النظام في حزيران (يونيو) على الحركة الخضراء الموالية للديمقراطية.
ويضغط الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء من أجل تشديد عقوبات أمريكا على إيران. ويطالب البيت الأبيض ببعض الوقت - أولا لمنح إشراك إيران فرصة والآن لتجنب تعقيد الجهود المبذولة في مجلس الأمن, إلا أن صبر الكونجرس نفد الآن.
وعلى الرغم من أن البيت الأبيض ينفي اختلافه مع الكونجرس، إلا أن Kenneth Katzman من هيئة البحوث في الكونجرس قال هذا الأسبوع إن الكونجرس ''يغلي'' من أجل إيجاد ''أي طريقة ممكنة'' للضغط على الإيرانيين. وتأتي هذه الضغوط من الحزبين: ومن ضمن مقدمي قرارات العقوبات، هناك جون ماكين، السيناتور الجمهوري، وHoward Berman، الديمقراطي في مجلس النواب. وينص أحد مشاريع العقوبات على معاقبة جميع الشركات، بما فيها الشركات الأجنبية، التي تبيع البنزين أو معدات التكرير إلى إيران (تفتقر إيران إلى طاقة التكرير). وتراوح الاقتراحات الأخرى بين استهداف الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وجعل تغيير النظام سياسة رسمية.
وقد تحطم مثل هذه الوسائل جهود أوباما المتأنية لجمع حلفاء أجانب والإثبات للإيرانيين أن أمريكا تشعر بالقلق من الانحرافات النووية لنظامهم، وأنها لا تعادي إيران في حد ذاتها. إلا أن أوباما يواجه معضلة صعبة, فبعض المستشارين في وزارة الخارجية يقولون له إن فرض كثير من الضغوط سيؤدي إلى استفزاز إيران ويدفعها إلى الانتقام في أفغانستان (التي زارها أحمدي نجّاد هذا الأسبوع)، بما لذلك من عواقب مثيرة للقلق على الحرب التي ربما يعتمد عليها في النهاية مصير رئاسته. لكن حتى مستطلعي الآراء الوديين مثل Stanley Greenberg وJames Carville اكتشفوا دلائل تشير إلى أن الرئيس أصبح ضعيفا في القضايا المتعلقة بالأمن القومي. وقد حثته سارة بالين على ''إظهار مزيد من الصرامة'' وإعلان الحرب على إيران.
وفي مجال الإصلاح الصحي، قد يجمع الديمقراطيون الأصوات التي يحتاجون إليها في الكونجرس لانتزاع النصر من الهزيمة. وقد يحدث الشيء نفسه في مجلس الأمن مع إيران.. لكن ماذا بعد ذلك؟ فبعد أن وعد بفرض عقوبات جديدة إذا فشلت جهود إشراك إيران، أصبح فرضها ضرورة سياسية بالنسبة إلى أوباما وإحدى الطرق القليلة التي يستطيع بها العالم فرض ضغوط على إيران لتجنب الحرب. ومع ذلك، لا يتوقع كثير من صنّاع السياسة في واشنطن أن تؤدي العقوبات وحدها إلى القضاء على طموحات النظام النووية, وبالتالي يدعو بعض مراقبي إيران في أمريكا إلى لعبة أطول.
يذكّر Karim Sadjapour من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بالمقال الذي كتبه George Kennan من موسكو تحت اسم مستعار هو X عام 1947، الذي يدعو فيه إلى ''الاحتواء الصبور لكن الحازم'' للاتحاد السوفياتي. وقد كانت إحدى النتائج غير المقصودة لسياسة مد يد الصداقة التي انتهجها أوباما هي المساعدة على ظهور الحركة الديمقراطية القوية في إيران. ومن الأفضل الآن تشجيع المعارضة وانتظار انهيار النظام، كما يقول Sadjapour (لا يتوقع الاضطرار للانتظار 40 عاما)، بدلا من التركيز فقط على أجهزة الطرد المركزي التي تعمل في ناتانز. وربما هذا ما يعتقده أوباما أيضا - إذا استطاع تحمل فكرة أن تصبح إيران دولة نووية خلال فترة رئاسته

الأكثر قراءة