هل أسباب تحريم التأمين منطقية؟ ( 1من 3)

بعد أن كتبتُ عن فكرة تأسيس التأمين التعاوني على التبرع وعدم انسجامها مع وظائف التأمين وغاياته، أكتب لكم في هذه السلسلة من المقالات عن الأسباب الرئيسة التي استند إليها من يرى حرمة التأمين التجاري تأسيساً على أنه من عقود القمار والغرر والربا. طبعاً من الصعوبة بمكان مناقشة حرمة التأمين التجاري في مقالة صحفية لأن هذا يحتاج إلى بحث علمي متكامل، ولكني مع ذلك سأجتهد في عرض هذه الأسباب والرد عليها في ثلاث مقالات مختصرة.
بالنسبة للسبب الأول في التحريم وهو أن التأمين التجاري ضرب من ضروب القمار، فمن يرى ذلك يقول إن العميل يدفع مبلغا أقل لشركة التأمين من أجل أن يحصل على مبلغ أكبر من هذه الشركة في حال حصول الخطر، بينما شركة التأمين تأخذ القسط من العميل على أمل أن لا يحصل أي حادث أو خطر للعميل فتفوز بقيمة القسط دون أن تخسر شيئاً، وهذا التصور يظهر جلياً في تأمين المركبات مثلاً، وهذا ما يجري عليه العمل في عقد القمار أو كما يسميه البعض بعقد الرهان.
طبعاً المقارنة بين عقد التأمين وعقد القمار هي مقارنة لا يمكن الأخذ بها، لأن الغاية في العقدين مختلفة، فالغاية في عقد القمار هي تحقيق الخسارة أي أن كل طرف يسعى إلى تحقيق الخسارة للطرف الآخر، بمعنى أن فوز أي طرف لا يتحقق إلا بخسارة الطرف الآخر، فمصلحة المقامر لا تتحقق إلا إذا تحققت خسارة مالية للمقامر الآخر أو لمجموعة المقامرين، فهذا هو عقد القمار تماماً وهو عقد محرمٌ شرعاً، بينما الغاية في عقد التأمين مختلفة تماماً، فالغاية الرئيسة هي التعاون على عدم حصول الخطر، أي أن كلا الطرفين في العقد يتعاونان على عدم حصول الخطر ويحرصان على ذلك، بل إن مصلحة الطرفين هي في عدم حصول الخطر، لأن كل طرف ستترتب عليه خسارة مالية.
ولهذا نجد أن من أهم المبادئ التي يتضمنها عقد التأمين ما يعرف بمبدأ المصلحة التأمينية، وهذا المبدأ يُقصد به أن تكون المصلحة التي لدى العميل في عدم حصول الخطر أو الحادث هي نفسها التي لدى شركة التأمين.
ولذلك فهناك في التأمين مجموعة من الإجراءات والضوابط التي ترسخ هذا المبدأ منها ما يُعرف بنسبة التحمل، وهي النسبة المالية التي يدفعها العميل في حال حصول الخطر، ومن تطبيقاتها في تأمين السيارات لدينا في المملكة مبلغ الخمسمائة ريال والتي يدفعها العميل في حال حصول حادث سير له. ومن تطبيقات هذا المبدأ كذلك الالتزام المقرر على عاتق العميل في التأمين على الممتلكات من ضرورة إبلاغ شركة التأمين عن أية ظروف تستجد ومن شأنها أن تزيد من احتمالات حصول الخطر وإلا بَطُلَ التأمين، ومن تطبيقات المبدأ كذلك التعاون بين الشركة والعميل على تحسس سبل مصادر الخطر والحد منها كأن تشترط شركة التأمين على العميل تركيب أجهزة إطفاء في التأمين ضد الحريق، أو قيام العميل بزيادة أقفال المنزل أو تعلية السياج للحصول على خصومات من شركة التأمين في القسط الخاص بالتأمين ضد السرقة وما إلى ذلك. فالمصلحة التأمينية في عدم حصول الخطر المؤمن ضده هي أهم سمة من سمات عقد التأمين، فالخطر في عقد القمار يجب أن يقع لأنه غاية في العقد، بينما في عقد التأمين لا ينبغي أن يقع لأنه ليس غاية بل الغاية هي التعويض في حالة وقوع الخطر مع تعاون الجميع على عدم وقوعه.
وبعد هذا كله فهل من المعقول ومن المنطق قياس التأمين على عقد القمار؟! هذا إذا ما علمنا كذلك أن عقد القمار يؤدي إلى الضغينة وارتكاب الجرائم بينما التأمين عكس ذلك فهو يهدف إلى الحفاظ على الممتلكات والتعويض عنها وإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل حصول الخطر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي