هل سيبقى لمجلس الغرف شيء من أمره؟
أنشأ الملك المؤسس عبد العزيز - طيب الله ثراه - الغرف التجارية الصناعية عام 1365هـ، ونرى أن الدولة أعطت الثقة لرجال الأعمال لترتيب احتياجاتهم بإصدار نظام خاص بهم في مجالس تمثلهم وأعطتهم الحق في انتخاب الثلثين من أعضاء مجلس الإدارة وتعيين الثلث، وعرّف النظام الغرفة بأنها عبارة عن مؤسسات تمثل المصالح التجارية والصناعية وتقوم بحمايتها بنظام معين, ومن مهامها النظر في ترقية الأعمال التجارية والمالية والصناعية وتقديم الاقتراحات بالوسائل التي تؤدي إلى ذلك، وكذلك أعطاها الحق في تقديم اقتراحات للحكومة فيما يختص بتعديل الأنظمة المتعلقة بالشؤون التجارية والصناعية، وكل هذا منذ 66 عاما.
ومن يتابع تطور الغرف ونظامها يجد صدور تعديلات على نظامها وتأسيس مجلس الغرف السعودية ليكون المجلس الأم الذي يمثل جميع الغرف التجارية الصناعية، وأصبح المجلس شريكا في تطوير الأنظمة أو يحث على إصدارها. ولقد خدم مجلس الغرف جميع قطاعات الأعمال وقام بعض الغرف بإنشاء أو شجع على بناء مدن مستودعات ومعارض دولية ومراكز تجارية وقامت بعديد من المعارض الوطنية والدولية وأنشأت مركز تنمية الصادرات لتسد العجز في وزارة التجارة سابقا، الذي قدم خدمات متواصلة للمصدرين السعوديين, وشارك في اللجان المشتركة الدولية وتدخل في حل كثير من مشكلات الصناعيين مع الدول الأخرى بمساعدة ممثلي الحكومة من وزارة المالية ووزارة الخارجية وغيرهما من الجهات المعنية بالصادرات السعودية. وقام مجلس الغرف وعديد من الغرف التجارية الصناعية بمؤتمرات رجال الأعمال السعوديين ومنتدى الرياض الاقتصادي ومنتدى جدة الاقتصادي ومؤتمر رجال الأعمال العرب وغيرها من منتديات أو مؤتمرات أو معارض عربية أو إسلامية، وكل ذلك بتأييد ومؤازرة الدولة وعلى رأسهم ولاة أمرها.
لقد أخذت الغرف دورها الريادي في عهد الدكتور سليمان السليم بتفويضها بعض صلاحيات الوزارة مثل إسناد مهام حل منازعات الأوراق التجارية وديا والإشراف على المسابقات التجارية والتخفيضات الموسمية السنوية، ثم بدأ دورها في التراجع بسبب المركزية في اتخاذ القرار والعمل على ربط الغرف بالوزارة كأنها أحد فروعها.
إنه من الضروري استقلالية المجلس والغرف وكان ذلك سببا في نجاحهم سابقا، ويظهر أن الوزارة لديها نظرة أخرى في ضم الغرف ومجلس الغرف تحت مظلتها، ولقد نوهنا بالتنسيق بين الغرف ومجلسها والوزارة بشرط أن يكون للمجلس ورجال الأعمال استقلاليتهم وحرية رأيهم وإن خالف رأي الوزارة في أي من الأمور، فهم أدرى بمصالحهم. إن الغرف التجارية الصناعية هي الجهة المنظمة والغطاء الرسمي لنقل آراء وتطلعات وعوائق رجال الأعمال من تجار وصناع ومستثمرين سعوديين وغيرهم، إلى الجهات الحكومية المختلفة.
إن من يمثل التجار والصناع ورجال الأعمال اليوم هو الرئيس المنتخب لمجلس الغرف السعودية الشيخ صالح عبد الله كامل، وهو جدير بذلك وله الثقة الكاملة من القطاع الخاص، وهو أكبر من المنصب ولن يقبل، حسب أملنا فيه، عدم تحقيق مطالب القطاع الخاص أو عدم رفعه مطالبنا مباشرة لولي الأمر ما لم تكن عن طريق الوزارة.
ولقد عمم سعادته على الغرف التجارية في 1431/3/10هـ أنه ورد إلينا من وزير التجارة والصناعة بالخطاب المؤرخ في 1431/12/18هـ بأن تكون المخاطبات من مجلس الغرف السعودية ومن الغرفة التجارية، لوزارة الداخلية عن طريق وزارة التجارة حسب طلبها، وقد تضمن خطابه أن يكون جميع ما يتم رفعه من قبل المجلس والغرف للمقام السامي الكريم للدواوين الملكية أو ديوان رئاسة مجلس الوزراء عن طريق وزارة التجارة والصناعة.
هل هناك أمر سام بألا يخاطب مجلس الغرف المقام السامي والدواوين إلا عن طريق الوزارة، أم هذا اجتهاد منها؟ أما بخصوص تعليمات وزارة الداخلية فهذا قرار حديث قد تكون التجارة سعت إلى إصداره لكنه يتعارض تماما مع ما أمر به الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني وزير الداخلية خلال تهنئة رجال الأعمال له، فقد طلب منا سموه أن نرفع له مباشرة كل عوائقنا ومشكلاتنا مرفقة بمقترحات لحل تلك القضايا. وأول موضوعين رفعا وتم اتخاذ القرارات التصحيحية هما مشكلة ميناء جدة الإسلامي، وتجديد عقد مدينة المستودعات في جدة مع المؤسسة العامة للموانئ لمدة 30 عاما، فشكرا لسموه.
كيف يمكن أن يُمنع مجلس الغرف ورئيسه من رفع العوائق والاقتراحات والمظالم إلى المقام السامي أو ديوان ولي العهد أو النائب الثاني إلا عن طريق الوزارة، بينما يستطيع أي مواطن أن يرفع برقية أو يذهب بنفسه لمقابلة خادم الحرمين الشريفين في مجلسه أو مكتبه دون عوائق, ومن يغلق ديوان الملك إذا كان الملك نفسه ونظام الحكم جعله مفتوحا للجميع، فلماذا يمنع رجال الأعمال من ذلك؟ وكان من الأجدى أن يطلب معاليه أن يرسل المجلس أو الغرفة صورة للوزارة مما يقدم إلى المقام السامي مثلا.
إن النهضة الشاملة والتنمية الإصلاحية المستدامة ومكافحة الفساد وحرية الكلمة واستقلالية المجلس كلها عوامل تتفاعل لتسرع في تحقيق ما يأمل فيه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني وكل مواطن ومقيم في هذا الوطن. فلا يمكن أن نشل يد مجلس الغرف ومن يمثلهم في مرحلة الوطن أحوج ما يكون إلى تحملهم مسؤولياتهم ومشاركتهم الجهات الحكومية في تنفيذ برامج التنمية. ماذا لو قدم مجلس الغرف طلب اللجنة الصناعية بفصل وزارة التجارة عن وزارة الصناعة، فمن يضمن للمجلس رفع الوزارة طلبه فورا للجهة المعنية؟ أم سيركن أو يحفظ؟
وما نشر في ''الوطن'' 2010/3/8 عن نائب رئيس غرفة الرياض الأخ عبد العزيز العذل ''من أن هذا القرار ليس تعسفيا بل عملية تنظيمية لتفادي العشوائية في الخطابات حتى لا يدلي كل بدلوه مما يربك السلطات في عملية اتخاذ القرارات أو الاتجاه الصحيح من تناقض في البرقيات والخطابات''، فهذا كلام يخصه, ومن يريد أن يبصم للوزارة فهذا شأنه، وحسب علمي فإن أخي عبد العزيز كان نائب رئيس سابق وليس اليوم، وهل السلطات ومستشاروها بهذه البساطة يرتبكون باختلاف الآراء والطروحات، أم أن الوزارة تريد أن توحد الآراء حسب نظرتها. إن الوزارة لا تمثل رجال الأعمال بل تشرف عليهم وتنسق معهم, أما الممثل الحقيقي فهو مجلس الغرف المنتخب.
ندعو الله أن يوفق وزير التجارة والصناعة لإعطاء مجلس الغرف دورا رياديا ويجعله عونا له ويتركه في حاله، وأن يركز على مسؤوليات الوزارتين, فعند معاليه ما يكفي ويزيد.