لماذا تؤسس الشركات؟

أحد أهم وأبسط الأسئلة حول مفهوم الشركة هو سبب التكوين. لماذا يقرر مجموعة من المساهمين بصفتهم الشخصية أو الاعتبارية تأسيس شركة ما؟ مع أهمية هذا السؤال إلا أنه لم يسأل إلا في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. ولعل السبب في ذلك هو أن الجميع اعتقد أن جواب هذا السؤال هو بسيط بساطة السؤال نفسه. ولكن ازدياد أثر الشركة على المجتمع وذلك على شكل زيادة ثرائه وتغيير عادته اليومية وازدياد اعتماد المجتمع على الشركة بشكل يضاهي أو يفوق اعتماده على المؤسسات الحكومية. وكذلك تحول الشركات على نطاق واسع إلى شركات عالمية تستورد وتصدر تفوق قدراتها الكثير من الحكومات مما جعل هذا السؤال مهما وصعبا في الوقت ذاته.
لعل الجواب البديهي لسبب تكوين شركة ما هو جني الأرباح. وإلا لماذا يوافق المستثمرون في وضع أموالهم في عمل ما، ما لم يجن لهم عائدا على هذه الأموال. ولكن هذه الإجابة يجب دراستها بشكل أكثر عمقا، حيث يسأل سائل عندما نجني الأرباح يكون ذلك على حساب من؟ هل تلويث البيئة كما فعلت شيفرون عندما سكبت البترول في منطقة Alvarez مشروعا لجني الأرباح، أو أن القتل المتعمد للعملاء يبيح جني الأرباح كما فعلت شركة فورد في إطلاق سيارة بينتو في منتصف السبعينيات من القرن الماضي واتضح بعد التحقيق في انفجار خزان وقود السيارة. أن الشركة قارنت الأرباح المتوقعة مع التكلفة المتوقعة لبعض الوفيات وجدت أن الأرباح تسمح بأخذ هذه المخاطرة. أم أن تلاعب شركة إينرون بالأرقام لكي تظهر أرباح غير حقيقية وترفع من قيمة أسهمها يعد مباحا في ظل البحث الدائم عن الأرباح. وماذا عن قيام الشركة العسكرية Halliburton بدعم التوجه الحربي لدى السلطة السياسية لأجل زيادة أرباحها ، هل يعد مشروعا، إن الهدف الرئيس من تكوين الشركة هو جني وزيادة الأرباح؟
وإذا سلمنا أن الأرباح هي الهدف الرئيس من تأسيس الشركة فهل نعني الأرباح للمساهمين أم للإدارة العليا أم للموظفين. ملاك كل شركة في الغالب هم عدد قليل من الناس فهل توزع الأرباح على هؤلاء أم يتم مشاركة الموظفين، الذين يعملون طوال العام لأجل زيادة الربح، في أرباح الشركة وعند مشاركة الموظفين هل يتم مشاركتهم كلهم أم الإدارة العليا فقط.
يتضح مما سبق أن وضع الأرباح كهدف رئيس وحيد من تكوين الشركة قد يجلب عواقب غير سليمة وخاصة عندما تكون أخلاقيات العاملين في الشركة مطاطة وضميرهم الداخلي غير فاعل.
ربما يقول آخر إن الهدف من تأسيس واستمرار الشركة هو استمرارها بالعمل لأكثر فترة ممكنة مما يساعد على إعاشة الكثيرين من العائلات وإن وجدت الأرباح للمساهمين فبها ونعمت، وإن لم توجد أرباح فلا بأس، ولعل هذه الرؤية فيها نظرة اجتماعية وأكثر شمولية من سابقتها. ولكن عدم وجود أهداف يضعف المحفز للتميز مما يؤدي إلى ضعف الأداء وانعدام روح العمل والتحدي تدخل المنشأة مما يؤدي إلى الزوال والاندثار، مع أن وضع أي من الهدفين السابقين كهدف واحد للشركة ربما لا يمكن الشركة من الاستمرار والتحسن ولكن دمج هذين السببين كهدف من وجود الشركة يعطينا تصورا أفضل لسبب تكوين الشركة مع إضافة ضلع ثالث لأسباب. الضلع المفقود من مثلث هدف الشركة هو المحافظة على تطوير البيئة المحيطة بالشركة. فعندما تقوم الشركة بوضع الأرباح هدفا لها مع عدم إهمال أهمية استمرارها كوحدة اعتبارية وبالتالي تحافظ على تطور البيئة المحيطة بها يصبح هدف الشركة أكثر ملاءمة لواقع الحياة اليومية. ويسمى هذا الأمر في عالمنا اليوم «المسؤولية الاجتماعية للشركة». فبالمحافظة على المجتمع والبيئة المحيطة بالشركة تزداد فرص استمرارية الشركة. وعند استمرارية الشركة وازدهار البيئة المحيطة بها بجانب مسببات اقتصادية وعملية أخرى قد تستطيع الشركة المحافظة على أرباحها وزيادتها على المدى الطويل. ولكن ليس هناك الكثير من الشركات التي تفهم وتطبق هذا المفهوم مما يعني أن الكثير من الأعمال الخيرية والاجتماعية للكثير من الشركات هي أعمال دعائية وليست نابعة من القيم الحقيقية للشركة أو مسؤوليها. لكي نكون إيجابيين في نظرتنا فإنه يلزم علينا الاعتراف أن هناك تحولا في الكثير من الشركات على المستوى المحلي، نحو نظرة أكثر شمولية لسبب تأسيس الشركة مما يحسن مستقبل الشركة والمجتمع المحيط بها في المستقبل ـ بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي