حينما يكون التأمين حراماً فهل سيكون المنطق حاضراً ؟

عندما أشرع في الكتابة عن التأمين يأخذني التفكير برهة فيما أكتب ولمن أكتب؟! طبعاً بالنسبة لمواضيع التأمين التي يمكن الكتابة فيها هي كثيرة ومتشعبة، ولكن المشكلة تكمن في ماذا يهم الناس وما الذي يريدون معرفته تحديداً عن التأمين؟
والسؤال الآخر الذي أطرحه على نفسي هو هل يمكن التطرق للمعرفة المتعلقة بالتأمين بصورة فنية بحتة ومجردة عن أية معارف أخرى لا يُعيرها فنيو التأمين اهتماماً أم أنه من الأفضل التعرض للتأمين من منطلقات متعددة حتى وإن كان ليس لها علاقة بفن التأمين؟.
بالنسبة لي أنا أحاول أن أطرح التأمين (كقضية) وبمختلف جوانبها انطلاقاً من مبدأ أن المعارف الإنسانية قابلة للتشكل بحسب احتياجات المجتمع وظروفه. هذا إضافة إلى أن المعرفة الخاصة بالتأمين لها خصوصيتها شأنها في ذلك شأن أية معارف نابعة من تطبيقات الحياة وأنماطها المختلفة. وبالنسبة لمجتمعنا فلابد من أن يتم فهم المعرفة المتعلقة بالتأمين من خلال بوابة الشريعة، ولكن مع ملاحظة أن تكون هذه المعارف سواء تلك المتعلقة بالأحكام الشرعية أو التأمين أو غيره مجردة من الأهواء والأخطاء، ذلك أن المعارف لا تجتمع فيما بينها إلا إذا كانت مجردة من الأيديولوجيات والحسابات والمواقف الجماعية المسبقة أو التفكير النمطي أو حتى العاطفة، فالمعرفة يجب أن تبقى معرفة ويتم بحثها من خلال معايير علمية مقننة، ولذلك فالمعارف لا تلتقي إلا إذا كانت معارف حقيقية ومجردة.
لقد كنت ذات مرة ضمن لجنة علمية للحكم على رسالة أحد الباحثين وكانت رسالته عبارة عن دراسة مقارنة بين منهجين مختلفين ولكن الباحث لم يستطع أن يُغالب عاطفته فكتب في بداية رسالته في حيز الأهداف أن أحد المنهجين يتميز بالعدالة والإتقان بينما الآخر ليس كذلك، فذكرت له أن الباحث يجب أن يكون محايداً حتى يستطيع إقناع غيره، وتمنيت لو أن ما ذكره كان ضمن نتيجة البحث ولم يكن ضمن الأهداف. فالنتيجة لا تأتي قبل المقدمة والمنطق يقول إنه لا توجد نتيجة بلا مقدمة.
فهذا المنطق الذي لم يكن لنا حظ في دراسته ضمن مناهجنا حرمنا كثيراً من التفكير الصحيح رغم أن القرآن الكريم وهو منهاج حياتنا استخدم المنطق في مواضع كثيرة واستخدمه كثير من الرسل عليهم السلام ويكفينا في ذلك قصة إبراهيم الخليل مع قومه حينما رآهم يعبدون الكواكب من دون الله. ولو درسنا المنطق كعلم فلربما كفانا ذلك عن تفسير أو تبرير الأشياء بغير أدواتها، بل وربما رضينا بنتائج أفعالنا وما يترتب عليها من عقوبات ولم نبحث عن واسطة أو نتذمر من تطبيق نظام، ولربما استغنينا عن تبرير إصرارنا واستمرارنا على ارتكاب المخالفات الدينية بعبارة (إن الله غفور رحيم). ولذلك كنت أطلب من الذين أدرسهم تخصص القانون القراءة عن المنطق لأن المعرفة القانونية تستمد كيانها من المنطق فالقانون يقول لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص والله سبحانه جل وعلا يقول (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
والمنطق هو الذي يُجرد الإنسان ويجعله قادراً على البحث وعلى الفهم ومن ثم الحكم على الأشياء بدقة، وختاماً أشكر الله الذي منحني حرية التفكير لأتحرر من الأحكام المسبقة والمتسرعة التي اكتنفت فتاوى التأمين وأفكر بسلاح المنطق لا العاطفة فحينما يقول أحد ما إن التأمين حرام وهذا بالنسبة لي (نتيجة) فالحكم بهذه النتيجة لا بد له من وجود مقدمة أو بمعنى آخر أسباب، وحينما أفكر في تلك الأسباب وأشبعها بحثاً أجد أنها لا تمت إلى النتيجة بصلة، وحينما أقول إن التأمين التعاوني الذي يريده البعض من دارسي الشريعة لدينا غير مبني على منطق فأنا أقول ذلك بكل بصراحة مثلما قلت بصراحة بأن التأمين التعاوني في الغرب أفضل من التأمين التجاري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي