Author

تطوير نظام المؤسسات الصحفية .. مجلس الإدارة أولا وثانيا وثالثاً!

|
التقدم التقني الذي حققته الصحافة السعودية في العقد الأخير أخرج كثيرا من مواد نظام المؤسسات الصحفية الحالي من التطبيق العملي، لأن التطورات التكنولوجية والإدارية التي تعيشها الصحافة السعودية في هذه الأيام تجاوزت كثيرا من مواد النظام التي لم تعد مناسبة للتعبير عن التطورات التي تعيشها المؤسسات الصحفية في الواقع، بمعنى أن نظام المؤسسات الصحفية يعالج قضايا لم تعد مطروحة في الممارسة، كما أن النظام لم يغط كثيرا من المستجدات وعلى رأسها الصحافة الإلكترونية التي أصبحت ظاهرة عالمية مؤثرة في كل المجتمعات. ونعرف جميعا أن أهم بابي نظام المؤسسات الصحفية هما ''الجمعية العمومية'' و''مجلس الإدارة''، وكنت قد كتبت قبل هذا المقال مقالا عن الجمعية العمومية في المؤسسات الصحفية، وأوضحت أن النظام يقول إن الجمعية العمومية في المؤسسات الصحفية هي أعلى سلطة في المؤسسة، لكن في التطبيق فإن النظام يؤدي إلى جمعية عمومية ضعيفة ويؤسس لديكتاتورية مجلس الإدارة، وقلت إن علماء الإدارة يقولون إن الشركات ذات الجمعيات العمومية القوية .. هي شركات قوية، وإن الشركات ذات الجمعيات العمومية الضعيفة .. هي شركات ضعيفة. وفي هذا المقال أتناول قضية ''مجلس الإدارة'' في المؤسسات الصحفية، ولنبدأ من المادة 10 التي ُتعنى بالجانب التنظيمي للمجلس، وتنص هذه المادة على أن يكون لكل مؤسسة مجلس إدارة يتكون من عدد من أعضاء المؤسسة لا يقل عن ستة، إضافة إلى المدير العام ورؤساء التحرير, على ألا يزيد عددهم على ثلث مجموع أعضاء مجلس الإدارة، كما أن هذه المادة أعطت مجلس الإدارة ما سبق أن أعطته للجمعية العمومية مثل حق وضع اللوائح ورسم السياسة العامة، وفي التطبيق فإن الجمعيات العمومية لا ترسم السياسة العامة, ومعظم المؤسسات الصحفية لم ترسم لها سياسة عامة ولا تنتخب أو تعين أو تختار رئيس التحرير، أمّا ما يتعلق بمجالس الإدارات فإن المادة 10 أعطت مجلس الإدارة ما سبق أن أعطته الجمعية العمومية, ومن ذلك أعطى النظام الجمعية العمومية حق اقتراح وإصدار اللوائح الداخلية والحق نفسه منحته مجلس الإدارة، كما أن النظام أعطى الجمعية العمومية حق اختيار رئيس التحرير وفي الوقت نفسه منح النظام مجلس الإدارة الحق نفسه. أمّا المادة 11 فتتحدث عن اختصاصات مجلس الإدارة, وأهم ما يُنَص فيها ما يلي: ''لمجلس الإدارة اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لتحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها المؤسسة''. وهذه العبارة تغطي كل العاملين في المؤسسة من المدير العام حتى المراسل، بل تتسع لكل أعمال المؤسسات الصحفية في الماضي والحاضر والمستقبل، وواضح أن هذه العبارة ليست جامعة مانعة كما يتمناها القانونيون, بل هي جامعة وجامعة وجامعة، ولذلك فإنها سحبت من الجمعية العمومية صفة أنها أعلى سلطة في المؤسسة، بل سحبت منها كل اختصاصاتها، ولذلك يصبح اجتماع الجمعية العمومية السنوي اجتماعاً بروتوكولياً لنادي المهمشين. ولذلك قبل أول اجتماع لمجلس الإدارة ''المعين'' من قبل الجمعية العمومية يكون المجلس قد انتزع من الجمعية العمومية التي عينته قراراً بتخويل المجلس القيام بكل اختصاصاتها. هكذا في كثير من المؤسسات الصحفية حينما تتم عملية انتخاب مجلس الإدارة يبادر المجلس في التو واللحظة إلى انتزاع قرار من الجمعية العمومية يعطيه صلاحية القيام بكل اختصاصات الجمعية العمومية. وطبعاً إذا استطاع مجلس الإدارة أن يستحوذ على الاختصاصات، فإنه سيؤسس لبقائه لكل الفترات القادمة، وما يقال عن انتخابات مجلس إدارة جديد يعد ضرباً من العبث، لأن مجلس الإدارة الذي يملك سلطة أعماله هو المجلس الذي يملك سلطة استمراره! أمّا ما يقال عن أن الجمعية العمومية تقوم - وفقاً لمبادئ الحوكمة - بوظيفة المراقبة والمحاسبة والتوجيه لمجلس الإدارة، فهذه الوظائف المحترمة تتاح لمن يمارس اختصاصاته وتتوافر أمامه فرص تجديد دماء أعضاء المجلس بصورة شفافة ومنتظمة، أمّا الاستفراد بكراسي المجلس لفئة بعينها ولمدد طويلة لا محدودة ، فإن وظائف الشفافية والمساءلة والنزاهة والإفصاح ستغيب إلى الأبد. وفى ظل غياب الرقابة والمساءلة والنزاهة، فإن كثيرا من المؤسسات الصحفية تغيب عن أجندتها المشاريع الاستثمارية وتكون دائما عرضة للهزات والعثرات المالية، ويظنون خطأ أن عمليات إصدار الصحف هي الوظيفة الوحيدة التي يجب أن يعملوا في دوائرها، ولكُم أن تتخيلوا أن إحدى المؤسسات الصحفية زادت رأسمالها إلى الضعف ولم تنفذ مشروعاً استثمارياً واحداً يستفيد من الزيادة الهائلة في رأس المال. وهكذا إذا استعرضنا منجزات كثير من مجالس إدارات المؤسسات الصحفية .. نجد أن معظمها ُينَحّى المشاريع الاستثمارية جانباً وكأنها لا تخصه، فهو يظن خطأ أن وظيفة المؤسسة هي فقط الإصدارات الصحفية، علماً بأن أمام مجالس الإدارات فرصاً استثمارية إعلامية وطباعية وإعلانية وتوزيعية واستشارية متعددة ويجدر أن تستثمر المؤسسات الصحفية في هذه المجالات حتى تستطيع أن توسع دائرة مساهمتها في دعم الاقتصاد وتنمية المجتمع. وبنظرة مقارنة بنظام الشركات فإن مجلس الإدارة في نظام الشركات هو بمثابة السلطة التنفيذية التي تمثل جميع المساهمين, أي أن مجلس الإدارة مفوض من قبل المساهمين لإدارة الشركة، ومن حق أي مساهم أن يسأل ما شاء من أسئلة تتعلق بالشركة, ومن واجب مجلس الإدارة أن يجيب بأعلى درجات الشفافية عن كل الأسئلة دون ضجر أو تململ. وواضح أن نظام المؤسسات الصحفية القائم لم يحسم كل القضايا التي تعرض لها، بل مسك العصا من المنتصف، ونذكر مثلاً أن النظام لم يحسم رأيه في أن المؤسسات الصحفية هي شركات مساهمة أو شركات تضامنية أو شركات ذات مسؤولية محدودة، فهي في النظام كل هذه الشركات مجتمعة، كذلك فإن أعضاء المؤسسات الصحفية ليسوا منتخبين ولا معينين, بل هم معلقون بين هذا وذاك، وكذلك فإن رؤساء التحرير والمديرين العامين ليسوا منتخبين ولا معينين ولا حتى مختارين، بل هم كل هذه المصطلحات، كما أن النظام يعطي الحق لأصحاب الحق في الحصول على الأرباح, لكنه في الوقت نفسه ينزع منهم هذا الحق ويقول إن الربح ليس هدفاً في ذاته، وطبعاً نحن لا يمكن أن نتصور في العصر الاقتصادي الدولي الذي نعيشه أن مؤسسات إعلامية عملاقة ليس هدفها الربح وإنما هدفها أداء الخدمة مثل الجمعيات الخيرية والتطوعية. ومن ناحية أخرى فإن الصحافة الإلكترونية التى أصبحت صحافة مجلجلة وتتقدم بخطى ثابتة لتهدد وجود الصحافة الورقية لا يغطيها نظام المؤسسات الصحفية ألبتة، علماً بأن المقصود بالإعلام الإلكتروني هو كل ما نقرأه ونسمعه ونشاهده عبر الإنترنت. ونستطيع القول إن نظام المؤسسات الصحفية أصبح غريباً على الصحافة السعودية سواء من ناحية التقنية والمهنية التي باتت تستخدمها أو من الناحية التنظيمية والإدارية التي أصبحت تتقدم كثيراً النصوص التقليدية البسيطة التي يطالب بها النظام.
إنشرها