الطاقة الهوائية: أمراض وحرائق .. دون حل لأزمة الطاقة أو البيئة

تشير البيانات إلى أن أكثر مصادر الطاقة تهديدا لحياة الإنسان مقارنة بالطاقة المنتجة هي طاقة الرياح. ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة منها انكسار العنفات وسقوطها على الناس، أو انهيار البرج بسبب العوامل الجوية والصواعق كما حصل في الدنمارك. ويكفي هنا أن نذكر أن كل شفرة من شفرات العنفات الجديدة يصل وزنها إلى عشرة أطنان، وأن ارتفاع البرج يتجاوز ارتفاع عمارة من 30 طابقاً. وكما هو معروف فإن الطاقة المُوَلدَة من عنفات الرياح متقطعة، ليس فقط بسبب توقف الرياح في بعض الأحيان، وإنما أيضا بسبب قوتها. فإذا اشتدت الرياح فوق حد معين فإن هذا يتطلب إيقاف كل العنفات في المنطقة.. لماذا؟ لأن دورانها الشديد يؤدي إلى انفلات الشفرات أو انكسارها وتطايرها، وهذا ما حصل فعلا في عدة أمكان حول العالم. وعند الحديث عن «أماكن حول العالم» لا نتكلم عن دول العالم الثالث، ولا عن صناعة هندية أو صينية، وإنما نتكلم عن الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا، وعن شفرات مصنعة فيها أيضا.
الأعراض المرضية
نُشر العديد من التقارير في العامين الأخرين، أشهرها نشر في كتاب يتعلق بأعراض الأمراض التي يتعرض لها الناس الذين يعيشون بالقرب من أبراج عنفات الرياح لمؤلفته الطبيبة نينا بييربرج. وكل هذه التقارير تركز على الآثار المرضية للضجة والاهتزاز الناتجين عن دوران العنفات، خاصة الترددات الصوتية المنخفضة، التي لا يسمعها الإنسان، لكن أجزاء جسمه تتأثر بها، خاصة الأذن الوسطى. ومن أهم أعراض هذه الأمراض، والتي تختلف من شخص إلى آخر، النوم المتقطع، وعدم القدرة على النوم، وطنين في الأذن، وضغط في الآذان، والدوخة، والغثيان، وعدم القدرة على التركيز، وضعف الذاكرة، والصداع، والصداع النصفي، وأعراض أخرى. وما يؤكد علاقة هذه الأعراض بعنفات الرياح أن هذه الأعراض اختفت عندما رحل الناس وعاشوا في أماكن أخرى، وعادت عندما عادوا إلى بيوتهم. وتشير الدراسة إلى أن الناس الذين يصابون بمرض الصداع النصفي (الشقيقة) ودوار البحر أكثر عرضة للتأثر بعنفات الهواء من غيرهم.
إضافة إلى ذلك، فإن هناك مشكلة أخرى إذا كانت المنازل تقع في ظل عنفات الهواء عند شروق الشمس أو عند غروبها. فنظرا للارتفاع الكبير للأبراج وحجم العنفات، فإن ظلها الكبير عند الشروق يغطي مساحة كبيرة، ودوران العنفات يؤدي إلى تغير مستمر للظل، الأمر الذي يجعل كثيرا من الناس يصابون بمرض يشبه دوار البحر، ويصيبهم بالغثيان.
وبالنظر إلى هذه التقارير والعينات التي تمت عليها الدراسة نجد أنها تغطي عدة دول، ومناطق مختلفة ضمن بعض الدول، الأمر الذي يؤكد العلاقة بين هذه الأمراض وعنفات الطاقة الهوائية. وهو الأمر الذي جعل بعض الحكومات تصدر قوانين صارمة تقضي بألا تقل مسافة البرج عن السكن عن كيلو مترين. ومن ضمن هذه التقارير التقرير الذي نشر في كتاب للدكتورة نينا ببيربونت (أمريكية) الذي شمل عينة من 38 شخصا، وتقرير نشرته الدكتورة أماندا هاري (بريطانية), الذي يغطي 39 شخصا من أستراليا ونيوزيلندا، والدراسة التي قام بها الدكتور روبرت مكمورتي (كندي)، التي ذكر فيها أن ثلثي العينة التي قام بدراستها في كندا شكوا من أعراض مرضية بعد بناء العنفات الهوائية قرب منازلهم، والدراسة التي قام بها الدكتور مايكل نسبام (أمريكي) على عينة من ولاية مين الأمريكية التي أيدت النتائج السابقة، والدراسة التي قام بها مجموعة باحثين سويديين بقيادة الدكتور فريتس ديج فان برج، والدراسة السويدية الأخرى التي قام بها بديرسون وبيرسون وي، والدراسة التي تجريها الحكومة اليابانية حاليا بعد شكاوى كثير من المواطنين بعد بناء مزرعة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح بالقرب من منازلهم. لكن الشركات المنتجة للكهرباء من هذه العنفات أنكرت هذه التهم وشنت هجوما شرسا على هذه التقارير ومؤلفيها، كما قامت بتوظيف يعض الأطباء والخبراء للخروج بتقرير معاكس، كما استدلت بعدة تقارير حكومية تثبت أن أثر الضجة والاهتزاز ليس أعلى من مستوى الضجة العامة الناتج عن الأنشطة اليومية، بما في ذلك ضجة السيارات والشاحنات. وأكدت هذه الشركات أن هذه التقارير لا يعتد بها لأن عدد الأشخاص الذين تمّت تغطيتهم قليل، ولا يختلف إحصائيا عن عدد الناس الذين يشتكون من الأعراض نفسها في مناطق لا توجد فيها عنفات هوائية. وكما استدل أنصار طاقة الرياح بعدة دراسات طبية تؤكد عدم تأثير الترددات الصوتية المنخفضة في الإنسان، استدل أعداؤها بتقارير طبية أخرى تؤكد أن الترددات المنخفضة الناتجة عن دوران العنفات تؤثر سلبيا في صحة الإنسان.
لكن يمكن بسهولة تفنيد ما ذكرته هذه الشركات:
1- حجم العينة (عدد الأشخاص) صغير لأن الأبراج موجودة أصلا في مناطق بعيدة عن المدن، وبالتالي فإن عدد الناس الذين يعيشون بالقرب من هذه العنفات قليل، وأغلبهم من المزارعين الذين يعيشون في أماكن متباعدة. لذلك لا يعتد بحجة أن عدد الناس في العينة بسيط.
2 ـ أما بالنسبة إلى التقارير الحكومية وتقارير الأطباء التي تؤيد ما تقوله الشركات فإن التركيز كان دائما على مستويات الضجة والترددات التي يسمعها الإنسان، وهذا ليس محل الخلاف. الخلاف هو حول الترددات التي لا يسمعها الإنسان، لكنها تؤثر سلبيا في صحته. إضافة إلى ذلك، فإن هناك تقارير حكومية تطالب الشركات ببناء الأبراج بعيدا عن السكن لتفادي آثار الترددات المنخفضة على جسم الإنسان.
3 ـ كل التقارير التي دعمتها الصناعة متحيزة لأنه تمت فيها دراسة الضجة خلال النهار، بينما يجب دراسة الضجة الناتجة عن العنفات ليلا. إذا تم ذلك فإن النتائج ستتغير.
4 ـ وأهم من ذلك كله هو أنه رغم انفصال الدراسات عن بعضها زمنيا ومكانيا، إلا أن كلها أوضحت أن الأعراض نفسها موجودة في كل من هذه البلاد، والشيء المشترك بينها هو السكن بالقرب من عنفات الرياح.
5 ـ ويرد على حجج داعمي صناعة طاقة الرياج بالحقيقة التالية: إذا كنتم تعتقدون أن الترددات الصوتية المنخفضة الناتجة عن دوران عنفات الرياح لا تؤثر سلبيا في أجسام الإنسان والحيوان، لماذا تحاربون أي قوانين تحمي الناس من هذه الآثار؟
وقد يقول قائل إن الحل هو بناء العنفات في وسط البحر، الأمر الذي سيمنع تأثيرها في الناس. المشكلة في هذه الحالة اقتصادية وبيئية. اقتصادية لأنها ترفع التكاليف وتؤثر في تنافسية الكهرباء المولدة من هذه العنفات، وبيئية لأنه ثبت علميا أن الترددات الصوتية المنخفضة التي يتأثر بها الإنسان تؤثر في الحيتان وبعض أنواع الأسماك. هذا يعني أن طاقة الرياح ليست صديقة للبيئة كما يدعي البعض، وهو أمر ذكر بتفصيل أكثر في مقال الأسبوع الماضي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي