استكمالا للخطوات المتميزة التي تقوم بها هيئة السوق المالية في مجال دعم وتعزيز ثقافة حوكمة الشركات، عقدت الهيئة أخيرا ندوة متخصصة عن ''حوكمة الشركات''. وعلى حسب علمي، فإنه هذه المرة الأولى التي تتولى الهيئة عقد ندوة بهذا الحجم من حيث المتحدثين ومن حيث الحضور. وقد شهدت الندوة تفاعلاً كبيراً من المهتمين والمسؤولين في الشركات المدرجة في سوق الأسهم.
والواقع أن موضوع الندوة – حوكمة الشركات- يناقش المبادئ الرائعة التي تعمل هيئة السوق المالية على تكريسها وتوطيدها في الشركات المدرجة. فالحوكمة ذات معان جميلة أولها العدالة بين جميع المتعاملين وعدم التفرقة بينهم، وآخرها تكريس الشفافية والإفصاح. ومن المعروف أن وجود إطار حوكمة رشيد في الشركات يحقق فوائد عديدة للشركات وللسوق على حد سواء، ومن تلك الفوائد: رفع كفاءة السوق، حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح، وجذب وتشجيع الاستثمارات.
ومع ذلك فإن التطبيق العملي لمبادئ الحوكمة من أصعب المهام المنوطة بالجهات المنظمة لأسواق المال. وفي اعتقادي أن هيئة السوق المالية خطت خطوة رائعة بتنظيم هذه الندوة. ولعل ما يميز هذه الندوة، الطرح العلمي الذي تم فيها. فعلى الرغم من كثرة الندوات التي تعقدها الهيئات والجهات الحكومية، إلا أن كثيرا من هذه الندوات يغلب عليها الطابع الإعلامي الترويجي ''لمنجزات'' تلك الجهات. أما ندوة ''حوكمة الشركات'' فقد أخذت الطابع العلمي بتشخيص واقع الحوكمة في الشركات المدرجة والشركات العائلية. كما عرضت الندوة جهود الهيئة في مجال تعزيز الحوكمة بطريقة وصفية وتسلسل تاريخي، مع توضيح استراتيجية الهيئة في مجال سن وفرض أنظمة الحوكمة.
ولعل مما يشد الانتباه في الندوة الاستراتيجية التي تتبناه الهيئة في تعزيز أنظمة الحوكمة في الشركات المدرجة، حيث أوضحت الهيئة أنها تعتمد على مزيج من الأساس القانوني Rules Based القائم على إصدار قوانين ولوائح مفصلة ودقيقة، وملزمة التطبيق وعلى أساس المبادئ Principle Based القائم على وضع أدلة استرشادية للحوكمة. والواقع أن المزج بين الأسلوبين مما يتناسب مع الظروف العامة للشركات السعودية، حيث يصعب تحديد ضوابط شاملة وموحدة يمكن تطبيقها على جميع الشركات. كما أن مثل هذه الاستراتيجية تساعد الشركات المدرجة على تطوير وتطبيق ما يناسبها من أفضل الممارسات للحوكمة بما يتناسب مع طبيعة نشاطها والقطاع الذي تعمل فيه.
ومن الرسائل المهمة التي أوضحتها الهيئة في الندوة مسألة ''ثقافة الحوكمة''، فالهيئة نشرت في القاعة عبارات وجملا حول الحوكمة مثل ''الحوكمة ثقافة'' و''الحوكمة ضرورة وليست خيارا''، وغيرها من الجمل التي تحمل في طياتها رسائل لأعضاء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية. الهيئة أيضاً أشارت إلى أنه وعلى الرغم مما تبذله من جهود نحو تطوير الإطار النظامي لحوكمة الشركات، إلا أن هناك تحديات تواجهها مثل رفع الوعي وإرساء ثقافة الحوكمة في الشركات، وتحفيز المساهمين على المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات بشكل فاعل.
باختصار، أعتقد أن الهيئة أوضحت من جانبها استراتيجية تعزيز وتطوير الحوكمة في الشركات. وبالتالي، فإن الخطوة المقبلة يجب أن تكون من ''الشركات المدرجة'', من خلال إيجاد خطوات عملية لدعم المساهمين في ممارسة حقوقهم في المساءلة والمشاركة في اتخاذ القرارات المهمة للشركة.