تنظيم المعرفة والثقافة حسب خرائط الطرق!

برز خلال العام الماضي عدد كبير من التطبيقات الإعلامية الجديدة لخرائط جوجل Google Maps والخرائط الرقمية بشكل عام، وهذه التطبيقات حققت إقبالا سريعا من المستثمرين ثم من الجمهور بسبب العلاقة الطبيعية للإنسان بالمكان، وبسبب انتشار أنظمة الـ GPS المتسارع على أجهزة الموبايل، ولحماس شركات الاتصالات حول العالم لما يسمى بالخدمات المعتمدة على معرفة مكان جهاز الموبايل Location-based Mobile Services، والتي سأتحدث عنها لاحقا في هذا المقال.
تقوم هذه التطبيقات الإعلامية على ربط الأخبار والمعلومات والإعلانات والفيديوهات وحتى ملفات الموسيقى بأماكن محددة على الخرائط، حيث يستطيع الشخص أن يقرأ ويشاهد ويسمع كل ما يرتبط بهذا المكان عندما يكون قريبا منه. أحد هذه الخدمات موجودة مثلا في لندن والتي تقدم لك عرضا مختصرا وجذابا لكل مكان تقف فيه (بما في ذلك العروض التجارية وآخر الأخبار ومعلومات تاريخية)، وما على الشخص الذي يتجول في لندن إلا أن يضع سماعاته على أذنه والمربوطة بجهاز الموبايل بعد تحميل برنامج معين على الجهاز، وسيتعرف البرنامج على مكان الشخص من خلال الـ GPS ثم يبدأ بتقديم المعلومات مكتوبة أو منطوقة حول كل مكان.
مؤسسة إعلامية أخرى في لندن أيضا قامت بإعداد فيديوهات وثائقية مختصرة لا يزيد الواحد منها على دقيقة، وهذه الفيديوهات تحمل معها ملفا نصيا يخبرك بتاريخ المكان، ولكن الفيديو في حد ذاته يتضمن تمثيلا صوتيا لما كان يحصل في هذا المكان بالذات في تاريخ ما حتى تستطيع أن تعيش التاريخ بأقرب صورة ممكنة بينما تتجول في طرقات عاصمة الضباب الساحرة.
هذه مجرد أمثلة على الخدمات الإعلامية التي يمكن أن ترتبط بالجغرافيا، وهناك الكثير من الأمثلة على الخدمات السياحية التي ترتبط بهذه التقنيات، واطلعت أخيرا على عرض قدمته شركة أوروبية تنوي إعداد موسوعة متكاملة مرتبطة بالخرائط الرقمية بحيث تستطيع الاطلاع على أي معلومة مع ربطها بمكانها على الخريطة.
ولعل أحد ما شجع على انتشار هذه الخدمات بسرعة هو ما تحدثت عنه في مقال سابق من إقبال هائل للمتطوعين لإضافة المعلومات المرتبطة بالأماكن على خرائط جوجل، حتى إنه يوجد متطوعون يدورون شوارع المدن الأمريكية وهم يضيفون المعلومات عبر جوالاتهم عن كل مكان يذهبون إليه، وهم يؤمنون طبعا بأنهم يقدمون خدمة إنسانية وثقافية قيمة لمستخدمي هذه الخرائط.
الإنسان له علاقة طبيعية بالمكان، يرتبط به ويستوحي منه الكثير من أحاسيسه العاطفية وحتى من اهتمامه بالمعلومات، فنحن نهتم بالمعلومات التاريخية والجغرافية عن مكان زرناه أكثر بكثير من مكان لم نزره، وذلك لأن المكان الذي نزوره صار جزءا من ذاكرتنا العاطفية، وهذه الذاكرة نفسها هي التي تؤجج مشاعرنا الوطنية أو مشاعرنا نحو مرابع الطفولة والشباب. لقد اطلعت على خدمات مميزة من نوعها تقدم لك التاريخ الشعبي الحديث لشوارع بعض المدن والقرى الأمريكية، وأعتقد جازما أن مشروعا مماثلا في المملكة سيشجع الكثير من الناس على تدوين تاريخ جميل مليء بالأحداث والذكريات حول مختلف القرى والمدن التي ارتبطوا بها على مدى السنوات.
بقي أن أشير إلى أن الخدمات المرتبطة بالمكان والتي تركز عليها شركات الاتصالات تستخدم تكنولوجيا مختلفة، حيث تتعرف شركة الاتصالات على مكانك من خلال المسافة بين جهاز الموبايل وأقرب ثلاثة أبراج خاصة بتلك الشركات، الأفكار التجارية والخدمات التي يمكن أن تقدمها شركات الاتصالات بناء على هذه التكنولوجيا لا حد لها، وأشهرها معرفة مكانك عندما تضيع، أو معرفة الأماكن المهمة والمطاعم والأسواق القريبة منك، أو معرفة مكان صديقك أو ابنك عندما يلزم الأمر، والخدمات الخاصة بالسياح القادمين إلى مدينة معينة. هناك خدمات أخرى أقل شيوعا مثل وصول رسائل إعلانية على الجوال حول الأماكن التجارية القريبة منك كلما دخلت منطقة معينة، أو أن يعرف المطعم أو التاكسي مكانك بالضبط ويصل إليك دون الحاجة إلى تقديم أي وصف إذا اتصلت من جوالك.
لقد ربطت التكنولوجيا بين المكان والإنسان بطرق عديدة تتطور بسرعة لا أستغرب يوما إذا صار المحتوى الإعلامي وخدمات الشركات والإعلانات تصل للإنسان بحسب مكانه الحالي ومكانه الأصلي والأماكن الأخرى المفضلة لديه، وهذا الأمر ينطبق على مواقع الشبكات الاجتماعية (مثل فيسبوك) والتي تطور بسرعة خدمات التعرف على الأصدقاء القريبين منك مكانا إذا فتحت هذه المواقع من خلال جهاز الموبايل.
قل لي أين أنت، أقل لك من تكون!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي