لماذا يتزاحم شبابنا على وظيفة جندي؟!

تزاحم أكثر من 127 ألف شاب على فرصة القبول لشغل 500 وظيفة جندي في معهد الجوازات, الذي أعلن عن فتح التسجيل للقبول في موقعه الإلكتروني (''الشرق الأوسط'' 4/3/1431هـ), مشترطا مؤهل الثانوية العامة أو ما هو أعلى منه, أي أن 500 فقط من أولئك المتقدمين سيلقون القبول في حين سيعود 126500 شاب أدراجهم إلى الانتظار على الأرصفة والأبواب الموصدة, انتظارا للإعلان عن وظيفة جندي مرة أخرى, كي يتزاحموا عليها, وربما يتعدى معظمهم السن القانونية للقبول قبل أن تتاح له الفرصة!
وفي فترة سابقة أعلن معهد الجوازات شغل عدد مماثل من الوظائف حيث تدافع ما يفوق عشرة آلاف شاب متأبطين ملفاتهم, ما أحدث تزاحما وإرباكا حول مقر التقديم (صحيفة ''الاقتصادية'' 3/4/1427هـ).
وهو ما دفع إدارة معهد الجوازات إلى فتح التقديم إلكترونيا فيما بعد, وهي قد أحسنت صنعا في ذلك, لأنه ليس ثمة مقر أو مكان يستوعب عدد المتقدمين أخيرا, بيد أن التقديم بهذه الطريقة سيلقي عبئا آخر يتمثل في التدقيق في الملفات, ومقابلة المرشحين مقابلة شخصية كأحد شروط القبول لمثل تلك الوظيفة.
لكن ما يؤخذ دليلا على تفاقم مشكلة البطالة ووصولها إلى حد يهدد بتشريد أبناء الوطن, هو زيادة عدد المتقدمين في المرة الثانية عنه في المرة الأولى, رغم أن عدد الوظائف لم يتغير وهو 500, ففي المرة الأولى كان عدد المتقدمين عشرة آلاف, أما في المرة الثانية فوصل العدد إلى 127 ألفا! وهو دليل قاطع على زيادة أعداد العاطلين عن العمل, ممن هم في سن الشباب فقط, لأن هذه السن هي أحد شروط شغل الوظيفة العسكرية.
وكي أسوق دليلا آخر, أذكر أنه قبل فترة أعلن الأمن العام عن طلب شغل ثمانية آلاف وظيفة جندي فتقدم لها أكثر من 270 ألف شاب (صحيفة ''الاقتصادية'' 1/6/1430هـ), وقد واجه الأمن العام مشكلة في كيفية إجراء المقابلات الشخصية لهذا العدد الكبير لمعرفة الفائز منهم! وهو دليل آخر على أن مشكلة البطالة تزداد, وليس هناك أي بادرة أو مبادرة لحلها, فالناس منقسمون حولها إلى ثلاثة أقسام, الأول لاه عنها, وهم الأثرياء والكبار الذين لم يحسوا بوجودها, ولم يتعرض أحد من أبنائهم أو أقاربهم لها, والقسم الثاني متجاهل لها, وهم المسؤولون الحكوميون الذين تقع عليهم في الأصل مسؤولية نشوئها, فقد سكتوا عنها حتى تضخمت واستعصت على الحل! وهم الآن يتوارون عن مواجهتها, لأنه ليس بإمكانهم توفير فرص عمل من مختلف المستويات لنصف مليون عاطل, ونقول نصف مليون اتساقا مع ما يذكرون, وإلا فإن مؤشر معهد الجوازات للبطالة (كما سميته) ينبئ عن أضعاف ذلك, والقسم الثالث هم من يمثلونها من الشباب وأهاليهم, وهؤلاء لا صوت ولا حول لهم, غير الانتظار لإعلان آخر لوظائف جندي لا تستوعب أكثر من 1 في المائة من الذين يتقدمون لها.
كلامي السابق يدور حول الذكور, فما بالكم بالعاطلات من الإناث؟ إنهن أضعاف الرجال, ولو سمح لهن بالتقدم لوظيفة جندي (مثلا) كما هو في بعض البلدان, لرأينا شيئا لا يكاد يصدق من كثرة عدد العاطلات, فلا يكاد يخلو بيت في المملكة من خريجات من المعاهد والجامعات, بل إنهن, أي الخريجات, أكثر عددا من الخريجين, كما نرى في الإحصاءات, وفرص العمل موصدة أمامهن, حتى في الأعمال التي يفترص قصرها عليهن, وبالتالي يمكننا تصور حجم البطالة بالنسبة للفتيات, وهي البطالة التي جرتهن أو تكاد إلى مزالق الفساد, إذ إن نسبة كبيرة من الفتيات ليس لديهن دخل أو عائل يوفر لهن مستلزمات الفتاة في العصر الحاضر, وهي معروفة, بل إن بعض الفتيات ترى أن وضعها أيام الدراسة كان أفضل, في ظل وجود المكافأة الجامعية التي كانت تسد (بعض) المستلزمات, أما اليوم فإن الفتاة في ظل الحاجة الماسة والشحن العاطفي وحصار المغريات, تقدم رجلا وتؤخر الأخرى في بداية منحدر الانزلاق.
إن إقدام الشباب وتزاحمهم على وظيفة جندي مرده علمهم بأن هذه الوظيفة مقصورة على المواطنين, رغم ما فيها من عناء ومشقة, وأن غيرها من وظائف القطاع الخاص تكاد تكون مقصورة على الوافدين, وأن محاولاتهم الدخول إليها باءت بالفشل! بسبب صمت المسؤولين عن حلها, وإعراض أصحاب الأعمال عن توظيف المواطنين! وعدم وجود من يجبرهم على ذلك!
أخيرا أقول: إنه مع طول رصدي لمشكلة البطالة, وكثرة ما كتبت عنها, ومن معايشتي لنشأتها وتطورها, أستطيع القول إنه ما من مشكلة تم تجاهلها وتجاهل تبعاتها, وأضرارها الأمنية والأخلاقية والاجتماعية, مثلما هو حاصل بالنسبة لمشكلة البطالة, التي يعد الكل مسهما في وجودها: رجل الأعمال, وصاحب المنشأة, الذي يحارب وجود المواطن في العمل الذي يجيده, والمسؤول الحكومي, الذي أسهم في فتح أبواب الاستقدام حتى أغرقنا طوفانه, وأصبحنا نحس بالغربة وسط هذه الجحافل التي استولت على كل شيء. والمواطن, الذي يسمح لنفسه أن يكون مطية للوافد يستغله في فتح المنشأة أو المحل التجاري باسمه, حتى أصبحت أعداد المحال تفوق أعداد الأسر, دون أن نرى مواطنا واحدا يعمل فيها.
أعرف أن كلامي هذا, وربما كلام غيري ممن كتب عن المشكلة, سيذهب أدراج الرياح, كسابقه, ولن يرف له جفن مسؤول تسبب في المشكلة, لكن مع ذلك, سنظل نكتب ونذّكر بالمشكلة, من باب الإيحاء بوخز الضمير, وصعوبة الحساب, الذي ينتظر كل من أسهم فيها, أو سكت عنها, يوم يقدم كل منهم كشف حسابه في يوم الحساب الكبير.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي