فليدمر اليونانيون أنفسهم

فليدمر اليونانيون أنفسهم

قبل أقل من عام من أن يصبح اليورو عملة 11 دولة أوروبية في كانون الثاني (يناير) 1999، دعت وثيقة وقعها 155 اقتصاديا ناطقين باللغة الألمانية إلى تأخير ''منظم'' - أي طويل. وقالوا إن أعضاء اليورو المحتملين لم يخفضوا بعد ديونهم وحالات العجز التي يعانونها بما يتناسب مع إنشاء اتحاد نقدي قابل للنجاح؛ وكان بعضهم يستخدم ''المحاسبة المبدعة'' للوصول إلى هناك، والموقف المتساهل تجاه حالات العجز قد يضعف الثقة باستقرار اليورو. ويقول Wim Kosters، من جامعة Ruhr في Bochum وأحد الموقعين على الوثيقة، إن هذ التنبؤ تحقق الآن. فقد أخفت اليونان، التي انضمت إلى اليورو بعد عامين من إنشائه، الحالة الضعيفة لماليتها العامة. وتتعرض الآن للهجوم من المضاربين. وقد يؤدي التخلف عن السداد إلى نشر الذعر إلى اقتصادات أخرى تعاني العجز، بما في ذلك إسبانيا والبرتغال، وسيكون لذلك عواقب مخيفة على النظام المصرفي الهش أصلا لأوروبا. لكن إذا قام شركاء اليونان بإنقاذها، بما يتعارض مع المعاهدة التأسيسية لليورو، ستعاني العملة. وفي الحالتين، سيقع اليورو في ورطة.
وتؤثر هذه المعضلة بصورة خاصة في ألمانيا. فقد كان من المؤلم التخلي عن المارك الألماني، رمز الانتعاش والنجاح الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب. وعشية الاتحاد النقدي، كان 55 في المائة من الألمان يعارضونه، ما جعل دولتهم العضو المؤسس الأكثر ترددا في منطقة اليورو. وحين يتم ذكر كلمة ''الإنقاذ''، يتجه جميع العيون إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا والمقترضة الأكثر جدارة ائتمانية. ويخشى الألمان أن يؤدي إنقاذ اليونان إلى تمديد دولة الرفاهية الاجتماعية إلى منطقة البحر المتوسط.
وتضع مشكلات اليونان المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في موقف مزعج, فدافعو الضرائب الألمان ليسوا في مزاج يسمح لهم بإنقاذ ما يعدونه إسراف اليونان، بعد أن تعهدوا بالفعل بمبلغ 500 مليار يورو (682 مليار دولار) لدعم بنوكهم ومليارات أخرى للشركات. ويعارض الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، الشريك الأصغر في حكومة التحالف، وكذلك عديد من السياسيين من حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إنقاذ اليونان. وأعلنت رابطة رجال الأعمال الشباب أنه سيكون ''من المهلك'' لألمانيا أن تسدد فاتورة ''ميزانية اليونان الفوضوية''.
إن الخلاف المحلي حول الرعاية الاجتماعية يجعل التصدق على الأجانب موضوعا حرجا. وفي هذا الشهر، حكمت المحكمة الدستورية بأن الحكومة أخطأت في تحديد فوائد برنامج الرعاية الرئيس، الذي يدعى Hartz IV. وأمامها مهلة حتى نهاية العام للتوصل إلى صيغة جديدة، ما قد يكلف مزيدا من المال. ويعرب Guido Westerwelle، زعيم الحزب الديمقراطي الحر، عن أسفه ''للانحطاط الروماني المتأخر'' لمجتمع يعامل المستفيدين من الرعاية الاجتماعية بسخاء أكثر مما يعامل العمال. وأزعجت فورة غضبه ميركل. وقال Michael Fuchs، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي في البوندستاج: ''لا أستطيع أن أشرح لشخص يستفيد من برنامج Hartz IV أننا لا نستطيع إعطاءه أي سنت إضافي في حين يستطيع اليوناني أن يتقاعد عند سن 63''.
وفي 11 شباط (فبراير)، انضمت ميركل إلى قادة أوروبيين آخرين في تقديم دعم غامض لليونان، وفي الوقت نفسه المطالبة بخطط ملموسة لخفض عجز ميزانيتها. وقد أصبحت المطالب أكثر قوة منذ القمة، وأصبح الحديث عن المساعدات أكثر غموضا. وفي 15 شباط (فبراير)، طلب وزراء مالية 16 دولة في منطقة اليورو من اليونان اتخاذ خطوات إضافية لخفض عجز ميزانيتها بنسبة أربع نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي إلى 8.7 في المائة هذا العام. وهم يأملون أن تكون خطة التقشف القاسية كافية لردع المضاربين - وطمأنة الناخبين في الداخل بأن اليونان لن تنجو من العقاب بسهولة. والنموذج هو أيرلندا، التي أدت تخفيضاتها القاسية في الإنفاق إلى استعادة ثقة الأسواق دون مساعدة من جيرانها الأوروبيين.
وتخشى ميركل أن تؤدي عملية الإنقاذ إلى انهيار الصفقة التي أبرمتها ألمانيا عند قبول اليورو: ألا يعرض أعضاء العملة الواحدة أبدا استقرارها للخطر وألا يطلبوا من الألمان دفع ثمن سوء إدارة أي عضو آخر. ومع ذلك، لم يكن اتحاد العملة عملا استشهاديا من جانب ألمانيا, ففي العقد الماضي، تمكنت شركاتها من تحديث نفسها وكان عمالها يقبلون بزيادات أجور ضئيلة، ما عزز قدرتها التنافسية. وفي أوروبا التي ليس فيها اليورو، كان يمكن أن يقلص شركاؤها التجاريون بعض هذه المزايا عن طريق تخفيض قيمة عملاتهم. وبدلا من ذلك، فشل عديد من الاقتصادات الأضعف في أوروبا في الإصلاح وجمعت ألمانيا فوائض كبيرة في الحساب الجاري. كما لم تكن الأزمة أخبارا سيئة تماما. فقد ضعف اليورو بنسبة تقارب 10 في المائة مقابل الدولار منذ بداية عام 2010. وفي ظل هذه الظروف، لم يكن ذلك نذيرا على التضخم بل منشطا مرحبا به للصادرات الأوروبية - خاصة الصادرات الألمانية.
إن الطريق للخروج من الأزمة غير واضح. فلا تزال السندات اليونانية تحت الضغط، ولا يزال الجدل محتدما حول ردود الأفعال التي ستكون أكثر ضررا: عمليات الإنقاذ المتسلسلة أم حالات التخلف عن السداد المتسلسلة. ويقول رأي قانوني عبر عنه خبراء في البوندستاج إنه يمكن السماح بتقديم مساعدة لليونان بموجب المعاهدات الأوروبية إذا كان يمكن تحميل القوى الخارجية، مثل المضاربين أو الركود العالمي، مسؤولية الأزمة. ويقول بعض الاقتصاديين (خاصة من غير الألمان) إنه يمكن لألمانيا المساهمة في حل طويل الأجل عن طريق تحفيز الاستهلاك المحلي، الذي سيساعد مثيري المشكلات في البحر الأبيض المتوسط على التخلص من مشكلاتهم. وهناك حديث عن ''حكومة اقتصادية'' أكثر تنسيقا داخل منطقة اليورو.
ويشكك Kosters في ذلك، إذ يقول: ''لا أحد يعرف ما الحكومة الاقتصادية''. وتضع السوق والعملة الموحدة في أوروبا الدول في منافسة بعضها مع بعض على أساس اقتصاداتها ومؤسساتها. وترتقي ألمانيا إلى حد كبير إلى مستوى التحدي. ويقول Kosters إن الأمر متروك لليونان وغيرها الآن لفعل الأمر نفسه

الأكثر قراءة