ما الذي يخافون منه؟

ما الذي يخافون منه؟

قال الرئيس بيل كلينتون عام 1999: ''إن القوى التي تجذب الصين نحو التكامل والانفتاح أقوى اليوم مما كانت عليه في أي وقت مضى''. فعلى الرغم من أن الصين في ذلك الوقت كانت متضررة جراء الأزمة المالية الآسيوية، إلا أنها كانت مشغولة بتفكيك المؤسسات المملوكة للدولة وتحاول جاهدة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية, إلا أن تلك القوى تبدو أضعف بكثير اليوم.
وتثير سلسلة الأحداث الأخيرة، من أحكام السجن القاسية التي صدرت بحق نشطاء حقوق الإنسان إلى التعنت غير الدبلوماسي في مفاوضات التغير المناخي في كوبنهاجن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تساؤلات حول تفكير قادة الصين: هل تغير رأيهم في العالم الخارجي والمعارضة الداخلية؟ أم هل كانت القوى التي اكتشفها كلينتون وآخرون غيره لا تجذب بقوة كافية في الاتجاه الذي كانوا يتوقعونه؟
لقد تميزت السنوات الأولى مما تسميه الصين ''الإصلاح والانفتاح'' بعد عام 1978 بدورات من التحرير والقمع. وعادة ما اتسمت نقاط التحول بأزمة سياسية: معارضة في الشوارع، صراعات على القيادة، أو كلاهما. لكن الآن، فإن أكبر حركات الاحتجاج الكبيرة هي تلك التي تتعرض للقمع بين الأقليات العرقية في التبت وXinjiang. ولا تضطرب المدن الكبيرة في الصين بسبب الاضطرابات السياسية. وبحلول الوقت الذي حكم فيه على الأكاديمي Liu Xiaobo بالسجن لمدة 11 سنة في كانون الأول (ديسمبر)، كان النقاش المعارض حول وثيقة الإصلاح التي أصدرها قبل عام من ذلك قد تراجع منذ فترة طويلة. ومع ذلك، كانت تلك العقوبة الأقسى التي يتم فرضها على ناشط بتهمة ''التحريض على التخريب'' منذ أن تمت كتابة هذه الجريمة في القانون عام 1997. لقد صمدت الصين حتى الآن في وجه التباطؤ الاقتصادي العالمي دون إثارة التهيج الذي كان يخشاه كثيرون بين العمال العاطلين عن العمل أو خريجي الجامعات العاطلين عن العمل. ونما الاقتصاد بقوة بنسبة 8.7 في المائة العام الماضي، ومن المتوقع أن يشهد نموا مماثلا عام 2010. ومن المقرر إجراء تغييرات شاملة في القيادة العليا عامي 2012 و2013، بما في ذلك استبدال الرئيس هيو جينتاو ورئيس الوزراء، وين جيابو. لكن إذا كان هناك صراع، فمن الصعب اكتشاف العلامات التي تدل على وجوده. فقد أثارت الحملة رفيعة المستوى على نحو غير عادي ضد الجريمة المنظمة من قبل رئيس الحزب لبلدية Chongqing، وهو Bo Xilai، الاستغراب. ويتكهن بعضهم بأنها جزء من محاولة يقوم بها Bo، وهو عضو في المكتب السياسي، لحشد التأييد الشعبي لترقيته إلى اللجنة الدائمة القوية للمكتب السياسي عام 2012. واختار استطلاع أجراه موقع إلكتروني رسمي Bo بوصفه ''الصوت الأكثر إلهاما'' لعام 2009. إلا أن Andrew Nathan من جامعة كولومبيا في نيويورك لا يرى هذا كتحد للفوز السهل المتوقع لنائب الرئيس، Xi Jinping، باعتباره الزعيم التالي للصين، على الرغم من فشل Xi العام الماضي في حشد أبرز المحللين العسكريين الذين يعتقد أنهم سيشكلون جزءا من حملته. ولا يزال Li Keqiang، نائب رئيس الوزراء، يبدو مستعدا لتولي السلطة من وين جيابو عام 2013.
وفي ظل هذه الخلفية من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، فإن التفسير الأكثر مصداقية لتشدد الحكومة في الآونة الأخيرة هو أن القوى التي تجذب قادتها نحو مزيد من التحرير في الداخل والمشاركة المتعاطفة مع الغرب أضعف مما كان يؤمل. ولا يوجد أيضا أي علامة على أن الجيل المقبل من القادة ينظرون إلى مهمتهم بشكل مختلف. وكما يقول Russell Leigh Moses، وهو محلل سياسي في بكين، فإن ''الجدل في دوائر صنع السياسة فيما يتعلق بالإصلاح هو: إلى أي مدى يجب أن نزيد استبدادنا؟ وليس كيف نبدأ بتطبيق الديمقراطية على النمط الغربي؟
وعلى الرغم من قساوة الأحكام الأخيرة على الناشطين، إلا أنها لا تتعارض مع نهج القيادة تجاه المعارضة في السنوات الأخيرة. وينطوي هذا النهج على منح فسحة للأشخاص ذوي التفكير الحر، لكن أحيانا معاقبة أولئك الذين يضلون كثيرا عن الطريق. ومنذ أواخر العام الماضي، تم سجن اثنين من الناشطين في محاولة واضحة لردع الناس عن تنظيم أهالي الأطفال الذين قتلوا في مدارس رديئة البناء في الزلزال الذي ضرب مقاطعة Sichuan عام 2008. لكن لا يزال Ai Weiwei، وهو ناقد آخر لطريقة تعامل الحكومة مع مظالم الأهالي، حرا طليقا في بكين ولا يزال يتحدث بصراحته نفسها.
وليس من المرجح أن تشهد الأشهر المقبلة كثيرا من التغيير. وعلى الرغم من التفاخر بصمود دولتهم في وجه الأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أن قادة الصين لا يزالون يبدون متوترين وقلقين. وقد تنبأ وين جياباو أن يشهد عام 2010 ''تعقيدا أكبر في الأوضاع المحلية والدولية''. وفي خطاب تم نشره هذا الأسبوع، قال رئيس جهاز الأمن في الصين، Zhou Yongkang، إن مهمة الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ''لا تزال بالغة الصعوبة''.
ويعرب بعض الاقتصاديين الصينيين صراحة عن قلقهم من أن يكون إنفاق الصين الهائل على الحوافز لم يجلب سوى استراحة مؤقتة للدولة. ويخشون أن تكون الفقاعات في طور التشكل في أسواق العقارات، وأن تكون الضغوط التضخمية تتراكم، وألا يتم تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتعزيز النمو المستدام (بما في ذلك التدابير الرامية لتعزيز التوسع العمراني) بسرعة كافية. وأحيانا تتم مناقشة حتى أسوأ كوابيس الحكومة، وهو الركود التضخمي، باعتباره ممكن الحدوث. وقد يكون مزيج الأسعار التي ترتفع سريعا والنمو المنخفض كافيين لنزول المتظاهرين إلى الشوارع. وفي الخارج، يجد قادة الصين صعوبة في التكيف مع ما يعتقدون أنه تحول متسارع في ميزان القوى العالمي، لمصلحة الصين. وقد أدى هذا إلى ما يصفه Moses بأنه سلوك يراوح بين ''التبختر والتعثر التام''. فقد استجابوا بغضب خطابي كبير في كانون الثاني (يناير)، حين أعلنت أمريكا عن صفقة أسلحة بقيمة 6.4 مليار دولار مع تايوان. لكن في الوقت الذي يتوددون فيه للقومية الشعبية في الداخل، إلا أنهم يدركون قيود الصين.
ففي هذا الأسبوع، سمحت الصين لحاملة طائرات أمريكية بالهبوط مؤقتا في مطار في هونج كونج، قبل يوم واحد من الموعد المقرر كي يتحدى أوباما التحذيرات ويلتقي دلاي لاما في واشنطن. ويدرك زعماء الصين تماما أن محنة المنشقين والشكاوى الصاخبة لرجال الأعمال الأجانب بشأن الحواجز التي يواجهونها في الصين لن تبقي العالم بعيدا. واعتبارا من أيار (مايو)، سيزور الصين مجموعة من الزعماء الأجانب الذاهبين إلى معرض شنغهاي العالمي. وسيكون من بين أوائل الزوار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، المكروه بشدة من قبل القوميين الصينيين بسبب موقفه بشأن التبت. وتعد الصين المعرض، مثل الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008، فرصة لعرض قوتها. لكن كما أشار كلينتون بشأن الصين عام 1999، فإن ''القبضة المحكمة هي علامة على اليد الضعيفة''

الأكثر قراءة