التجارة للخروج من المشكلات
لا تستطيع الأسر الروسية الحصول على ما يكفي من ورق الجدران البريطاني غريب الشكل ذي الرسوم الجريئة. وهناك طلب عليه، لكن كما توضح Graham & Brown، الشركة التي تصنع ورق الجدران في Blackburn، ليس هناك تأمين على الاعتمادات التصديرية. لذا بدلا من بيع أكبر قدر ممكن - مثلا ما قيمته خمسة ملايين جنيه استرليني (7.8 مليون دولار)- إلى روسيا كل ثلاثة أشهر مع تأمين العائدات، تبيع ما قيمته مليوني جنيه استرليني فقط، دون تأمين، حيث تتحمل خطر ألا يدفع تجار الجملة الروس فواتيرهم.
مع تباطؤ الطلب المحلي وتقييد الإنفاق الحكومي لسنوات عديدة مقبلة، تعتمد بريطانيا على شركات مثل Graham & Brown لإخراج الدولة من الركود الاقتصادي عن طريق زيادة مبيعاتها في الخارج. وهذا ما تفعله كل دولة أصابها الركود من الولايات المتحدة حتى رومانيا. إلا أن ضعف الجنيه الاسترليني، الذي انخفض 24 في المائة على أساس مرجح تجاريا منذ آب (أغسطس) 2007، منح بريطانيا ميزة كبيرة، لا سيما مقارنة بشركائها التجاريين الرئيسيين في أوروبا. والتجارب الأولى مشجعة: ساعدت الصادرات بريطانيا على الانتعاش بعد الركود في التسعينيات.
إلا أن الانتعاش المدفوع بالصادرات بطيء هذه المرة. فقد تقلص العجز التجاري لبريطانيا العام الماضي، من أكثر بقليل من 38 مليار جنيه استرليني عام 2008 إلى أقل قليلا من 34 مليار جنيه استرليني، إلا أن السبب الرئيس لذلك هو انخفاض الطلب المحلي إلى حد كبير, ما أدى إلى انخفاض مستورداتها بصورة أسرع من الصادرات. وتراجعت حتى الخدمات - التي تشكل خمسي الصادرات, التي تظهر دائما فائضا، بعكس السلع.
وهناك علامات الآن تشير إلى احتمالية تغير الأمور, فبحلول الربع الأخير من عام 2009، مع الخروج البطيء لبريطانيا من الركود، كانت الصادرات في تزايد ملحوظ. وصحيح أن المستوردات كانت ترتفع بشكل أسرع - ليس هناك دلائل كثيرة على إحلال المستوردات هناك- لكنها كانت تشمل 1.7 مليار جنيه استرليني إضافية على شكل رأسمال وسلع وسيطة مثل المحركات وما شابه ذلك، ما يبشر بزيادة الإنتاج قريبا. ووفقا لمسح أجرته مجموعة CBI، زادت طلبات الصادرات التصنيعية خلال الأشهر الثلاثة حتى كانون الثاني (يناير)، والشركات أكثر تفاؤلا من أي وقت مضى منذ عام 1995 بشأن توقعات العام المقبل. ويبلغ مديرو المشتريات في شركات التصنيع أيضا عن تزايد الطلبات في تقاريرهم.
ويبدو أن الأخبار الجيدة جاءت أخيرا، وفي الوقت المناسب: بدأ الجنيه الاسترليني في فقدان بعض ميزته التنافسية مقابل اليورو مع تراكم مشكلات أوروبا. لماذا استغرق تزايد الصادرات كل هذا الوقت؟
هناك كثير من التفسيرات المحتملة لذلك, فالتجارة دائما تستغرق وقتا طويلا لعكس تغيرات العملة. وقد علق الشركاء التجاريون الرئيسيون لبريطانيا في انعدام النمو أو النمو المنخفض، بحيث إنهم غير قادرين على شراء مزيد من السلع والخدمات. وتميل الشركات إلى زيادة هوامش أرباحها على الأحجام الحالية (المتقلصة)، بدلا من تخفيض الأسعار لزيادة حصتها السوقية. ويصدر عديد منها المنتجات المتخصصة (الطائرات، الأدوية المتطورة) التي لا يختلف الطلب عليها مع اختلاف السعر. ولعل المصدّرين كانوا بطيئين في استكشاف فرص جديدة في الأسواق غير التقليدية. والأهم من ذلك هو أنه في ظل الظروف الاقتصادية العالمية المريعة السائدة حتى الآن، يتردد المصدرون في الاستثمار في التوسع، وغالبا لا يجدون المال لفعل ذلك. يعتقد كثير من المصدّرين أن بوسعهم ذكر مصدر جزء من المشكلة على الأقل: الحكومة البريطانية. فعلى عكس حكومات أخرى في أوروبا، فشلت الحكومة البريطانية في بذل جهود كافية لترويج الصادرات، كما يتهمونها. فعلى سبيل المثال، لدى Graham & Brown منافسان كبيران في ألمانيا, وهما يستفيدان من ضمانات اعتمادات الصادرات قصيرة الأجل للحكومة الألمانية، التي تغطي خطر عدم قيام زبائنهما الروس بالدفع؛ ولا توفر الحكومة البريطانية مثل هذا الغطاء. ولا شك أن هذا سبب منطقي، إلا أنه قد يكون مهما أيضا في العالم الحقيقي. وتخطط رابطة المصدّرين البريطانيين إلى نشر بيان في 22 شباط (فبراير) لحث الحكومة على بذل جهود أكبر للشركات المصدرة. وتقوم غرف التجارة البريطانية بإعداد تقرير يدعو إلى إعادة النظر بصورة جذرية في سياسة التصدير الحرة في بريطانيا. وفي كانون الثاني (يناير)، قالت لجنة شؤون الأعمال في مجلس العموم أيضا إنها تريد من الحكومة عدم إضاعة الوقت والتعجيل في ذلك. إلا أن دائرة ضمانات الاعتمادات التصديرية لا ترى دورها كمروجة نشطة للصادرات البريطانية بل بوصفها آخر خط دفاع حين لا يكون لدى الأسواق حلول أخرى هي مكلفة أيضا بتحقيق ربح). وفي عام 1991، توقفت عن تقديم ضمانات قصيرة الأجل للاعتمادات التصديرية، وحولت العمل إلى Atradius المملوكة للقطاع الخاص. وتحتفظ دائرة ضمانات الاعتمادات التصديرية بذخيرتها للعقود طويلة الأجل التي تعتبر كبيرة جدا وخطرة للغاية بالنسبة إلى القطاع الخاص- 70 في المائة من محفظتها يتكون الآن من صادرات الطيران والفضاء. ولا بأس في ذلك في الأوقات الجيدة، حين يكون التأمين الخاص والائتمان متوافرا بسهولة. وعلى أية حال، لا يسمح الاتحاد الأوروبي عادة للحكومات الأعضاء بتأمين الاعتمادات التصديرية قصيرة الأجل للدول المتقدمة. إلا أن هذا النهج لم ينجح كثيرا منذ الأزمة المالية عام 2008، وخفض كثير من شركات التأمين الغطاء أو ألغته. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2008، غيرت المفوضية الأوروبية القواعد لكي تجعل من السهل على الحكومات تأمين الاعتمادات قصيرة الأجل. وقدمت فرنسا وألمانيا وهولندا وغيرها طلبات لفعل هذا. ولم تقدم بريطانيا مثل هذا الطلب. وتقول دائرة ضمانات الاعتمادات التصديرية إنها تعتقد أن شركات التأمين الخاصة على وشك القيام بأعمال تجارية خطيرة مرة أخرى. ويشكك المصدرون في ذلك.
وهناك مجالات أخرى أيضا تود الشركات أن تظهر الحكومة فيها التضامن. فعلى سبيل المثال، تضغط BexA منذ فترة طويلة للحصول على ضمان شامل لسندات الأداء التصديري. (يتم نشرها من قبل المصدرين ويمكن سحبها من قبل زبون إذا لم يكن راضيا عن أداء المصدّر). وخلافا لعديد من وكالات التصدير في الاتحاد الأوروبي، لا تدفع دائرة ضمانات الاعتمادات التصديرية المال إلا إذا سحب الزبون سندا ما بشكل غير عادل- ربما لأسباب سياسية. وهي تتحدث بغموض عن توسيع نطاق تغطيتها إذا استطاعت استنباط طريقة ما لتقاسم المخاطر مع البنوك الدائنة.
وإنصافا لها، يمكن القول إن دائرة ضمانات الاعتمادات التصديرية تحركت على جبهتين، حيث سيتم توسيع نطاق برنامج قائم لدعم الائتمان ذي السعر الثابت للزبائن من المصدرين، وتم أيضا إدخال ضمان لخطابات اعتماد الزبائن في تشرين الأول (أكتوبر). إلا أن خطابات الاعتماد مرهقة ومكلفة ونادرا ما يتم اللجوء إليها، كما تقول الشركات؛ وبحلول كانون الثاني (يناير)، لم يتم استخدام هذا الضمان سوى مرة واحدة. ويبدو أن على المصدرين إيجاد طريقهم للخروج وحدهم