الطاقة الهوائية: أمراض وحرائق.. بدون حل لأزمة الطاقة أو البيئة (1 من 2)

نتج عن العداء للنفط، بحق وبغير حق، أن قام سياسيو الدول المستهلكة بتبني العديد من مصادر الطاقة المختلفة على أمل أن يتم الاستغناء عن النفط، أو على الأقل إلغاء الاعتماد على واردات النفط من الوطن العربي، ومن الخليج تحديدا. وتضمن ذلك إنفاق مليارات الدولارات على شكل إعانات حكومية لتطوير هذه المصادر، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. إلا أن هذه الأهداف كتب لها الفشل منذ بداية الحديث فيها، لأن توليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية لن يؤثر في النفط على الإطلاق لأن أغلب الكهرباء المولدة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة تأتي من الفحم والغاز والطاقة النووية، ولا تأتي من النفط. رغم هذه الحقيقة إلا أنه يتم الترويج لهذه المصادر على أنها بديلة للنفط وأنها «ستحرر رقبة الشعب الأمريكي من استعباد الدول النفطية الشرق أوسطية». لا أدري عن أي «تحرير» يتكلمون، وعدد القتلى بسبب عنفات الرياح مقارنة بالطاقة المنتجة هو الأعلى ضمن كل مصادر الطاقة، والآثار الناتجة عن انكسار العنفات وانهيار الأبراج والحرائق الناتجة عنها لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن تجاهل حقيقة أن أي حريق في أعالي البرج لا يمكن إطفاؤه، رغم خطره الشديد، حيث إن العنفات يمكن أن تنشر النار في كل الجهات، تماما كما حصل في أستراليا، حيث احترقت أرض خضراء مساحتها نحو 800 كيلو متر مربع بسبب حريق في إحدى العنفات. ولا أدري عن أي تحرير يتكلمون، والاعتماد على الطاقة الهوائية سيجعل الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا رهينة للهند والصين، فإذا كان أمن الطاقة يتطلب تنويع مصادر الطاقة وتنويع مصادر الواردات، فإن زيادة الاعتماد على الطاقة الهوائية تركز الواردات في الهند والصين، وهذا يتنافى مع كل سياسات الطاقة في الدول الصناعية.
شخصيا، ليس لدي مشكلة مع أي مصدر من مصادر الطاقة طالما أنه مدعوم من قوى السوق، وليس الحكومات. لهذا فإن هذا المقال ليس هجوما على الطاقة الهوائية ودفاعا عن النفط، ولكنه دفاع عن حرية الأسواق. قد تكون هناك مشكلة في الاعتماد على النفط، ولكن العاقل لا يقبل حلا حكومياً سيورط العالم في مشكلة أكبر من مشكلة الاعتماد على النفط، والعاقل لن يقبل مصدرا جديدا للطاقة اختاره بعض السياسيين فرضه على المجتمع، ولكنه لن يحل مشكلة الطاقة في المستقبل، ولن يسهم في تحسين البيئة، ويؤدي إلى أمراض عديدة. كل هذه الأمور تنطبق على «طاقة الرياح»، فهي طاقة متقطعة، لها آثارها البيئية السيئة، ونتجت عنها أمراض عديدة، وبغض النظر عن الطيور التي تُقتل بسبب دوران العنفات، والحشرات المهمة للتوازن البيئي التي تموت بسبب الطاقة الهوائية، فإن الدراسات أثبتت أن خروج الزيوت وسيلانها على سطح العنفات أمر شائع، ودوران العنفات يؤدي إلى نثر هذه الزيوت على مساحات واسعة، وأنها أدت في بعض الأحيان إلى تلويث المياه السطحية المستخدمة للشرب. بالإضافة إلى ذلك، فإن المنافع التي يتحدث عنها مروجو طاقة الرياح غير صحيحة لأنهم يتحدثون عن «إجمالي» المنافع، وليس «صافي» المنافع. مثلا، لو حسبنا كمية الطاقة المستخدمة لاستخراج وصناعة المعادن التي تصنع منها العنفات والأبراج، والآثار البيئية لهذه الطاقة، ولاستخراج المعادن من المناجم، ثم الطاقة المستخدمة لشحنها عبر العالم لوضعها في مكان ما، لوجدنا أنها غير متضمنة فيما يعلنه مروجو طاقة الرياح، ويرد مروجو طاقة الرياح على ذلك بأن هناك دراسات شملت ذلك واستنتجت أن تكاليف الطاقة المستخدمة في المواد اللازمة لبناء العنفات والأبراج وعملية إنشاء الأبراج نفسها يمكن تعويضها خلال أشهر من بداية عمل العنفات. حتى هذه النتيجة غير صحيحة لأنها تركز على الطاقة المنتجة، والمنطقي هو التركيز على الطاقة المستهلكة من الرياح.
ولعل استخدام مساحة كبيرة من الأرض يعد من أكبر الانتقادات الموجهة لصناعة طاقة الرياح، إلا أن المدافعين عنها يستدلون بوجود أبراج عنفات الهواء في المزارع، دون التأثير في المحصول الزراعي بسبب المساحة الصغيرة التي يتطلبها البرج على الأرض، ولكن بعد الحصول على التراخيص اللازمة، وبناء الأبراج، وحصول الفلاحين على عوائد مالية من الشركات المولدة للكهرباء، اكتشف المزارعون المقلب الذي وقعوا فيه: لم يعد بالإمكان استخدام الطائرات الصغيرة لرش المبيدات والسماد، فانخفضت الإنتاجية في هذه الحقول.
وقد شككت بعض الدراسات، حتى التي صدرت عن الهيئات الحكومية المؤيدة للطاقة الهوائية، في كون الطاقة الهوائية صديقة للبيئة لأن تقطعها يتطلب بقاء محطات الكهرباء العاملة على النفط والغاز لتغطية أي قصور في طاقة الرياح. كما تشير العديد من القضايا في المحاكم وبعض التقارير الصحافية إلى انهيار قيمة البيوت والأراضي القريبة من الأماكن التي تبنى فيها «المزارع الهوائية» التي تحوي الأبراج والتي تحمل العنفات، وإلى تدهور النشاط السياحي في المناطق السياحية التي تم فيها بناء هذه الأبراج.
وبغض النظر عن كل ذلك، ما كان لمزارع توليد الكهرباء من طاقة الرياح، والتي انتشرت انتشارا ضخما في السنوات الأخيرة، لتوجد لولا الإعانات الحكومية، ولا يمكن لهذه المشاريع أن تستمر إلا إذا استمرت الإعانات، وإذا بقيت أسعار الغاز الطبيعي منخفضة بالشكل الذي هي عليه اليوم، فإنه من الصعب جداً أن تستمر أوروبا وأمريكا في التوسع في مجال الطاقة الهوائية، ونظرا لعمليات الإنقاذ المالي الضخمة التي تبنتها الدول الصناعية خلال 16 شهرا الماضية والعجز الذي نتج عن ذلك في موازنتها، فإنه من الصعب توقع استمرار الإعانات في كل الدول الصناعية.
وسيتم في المقال القادم تلخيص التقارير الطبية التي تشير إلى علاقة بين العيش بالقرب من العنفات المعدنية وأمراض معينة، والإشارة إلى عشرات القضايا في المحاكم الأوروبية والأمريكية المتعلقة بهذه الأمراض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي