حِينَما يَصدٌُق القلم!

بكل ما يَحمِلهُ الصدق من معان نبيلة أعي تماما ما أقول، وبكل ما تحمله أمانة القلم من رؤية سامية وخيال بديع وحقائق معلنة، أُحلٌق مع قلمي في سماء تعبر عن نزاهة القلم, الذي جعله الله بين أيادي عقول يدركون أن التعبير الجميل مؤثر في القلوب، وعندما نتحدث عن الأمــانة يأتي إلى ذهننا المتواضع دون تفكير مفــهوم الضمير، فصدق القلم أمانة ضمير، وصدق الضمير أمانة عقل بشري ناضج متطلع إلى الخير، فعندما يجيز القلب للقلم الكتابة بين سطور صفحات بيضاء يستطيع القلم أن يروي خواطره, ويمد العقل بالأفكار النيرة والحكم المضيئة, التي تحلق بنا على مدى البصيرة, إن ما يحمله الكاتب من أفكار قيمة لا بد أن تعبر عن معان نبيلة ومستقبل باهر, لأن محاولة تعبير الكاتب عن رأيه المتشائم, وكأنه لا يُجِيد الكتابة إلا بالقلم الأسود متخليا عن ألوان الطبيعة البراقة, ومُتَعنِتاً في كِتاباته بهذا القلم الذي لا ينتهي حِبره مطلقا, وإذا انتهى يحاول إعادة ملئه حبرا من النوع نفسه, دائما لا بد له من وقفة مــع ضميره, لأنه لا يستطيع بهذا الأسلوب أن يُقوِم القارئ, فأين أنت أمام نفسك؟ يقول (تشارلزكولتون).. كثير من الكتب لا تتطلب تفكيرا كبيرا ممن يقرأها، لأنها ببساطة لم تُكلف كاتبها ذلك! فنحن نسعى دائما إلى أن نزيد من حب القارئين للقراءة، ومن غير القارئين للاطلاع, ومن المطلعين لمحاولة الكتابة, ليس فقط للعلم وإنما لتقارب العقول والأفكار والشعور بالذات, وإذا كان هدف الكتابة أن يتعرف القارئ فقط على سلبياته متخلين في سطورنا عن محفزات القراءة من متعة وتفاخر بأمل قادم, فحقا لا حاجة لنا إلى الكتابة, ولا حاجة إلى القارئ للقراءة.
إن هناك نماذج كثيرة في حياتنا وفي مجتمعنا تستحق أن نفخر بها, نكتب ونعبر عنها بقلم من فِضة, ونُسطر صفحاتِنا بأقلام ذات ألوان بسيطة في ألوانها مضيئة في معانيها عن تلك النماذج, لا بد أن يجد الكاتب أهدافا حقيقية يستطيع أن يحققها من خلال هذا القلم، رؤية وفرص جديدة في الحياة لم يكن يراها من قبل، وستجد نفسك منجذبا لا شعوريا تجاه هذه الفرص، وستبدأ في التعبير عنها لكي تأخذك خطوة بخطوة نحو تحقيق أحلامك من خلال قلمك النزيه, ليس كل حبر على ورق هو لقراءة الناس وإنما قد تكون لقراءتك أنت فقط .
أشعر بالقلق دوما, وأشعر بالإحباط أحيانا, تجاه هذه الأقلام التي كَتبت لِتختلف مع القارئ فقط, دون مراعاة لتلك الأعيُن البصيرة، وذلك العقل المنير الذي أخذ من وقته وجهده وتركيزه, ليحاول مرارا وتكرارا إيجاد نبرة تشجيع أو ابتسامة معلنة أو خفية بين سطور قلمك ليتعرف على ما يجهل, ويتعلم من بين سطورك, التي حاولت أنت جاهدا دون معيار واضح أن تضع قوانين تُجبره على قراءة موضوعك من وجهة نظرك وليس من وجهة نظر محايدة بين العلم والحياة, ولهذا يفقد القلم مصداقيته وجزءا من دوره تجاه البشرية بكامل طاقتها وفكرها المعاصر.
إننا الآن في حاجة حثيثة إلى قول المفكر والكاتب (إليزابيث براوننج) حينما قال إن الكتاب هو المُعلم الذي يُعلم بلا عصا ولا كلمات ولا غضب, بلا خبز ولا ماء, إن دنوت منه لا تجده نائما, وإن قصدته لا يختبئ منك, وإن أخطأت لا يوبخك, وإن أظهرت جهلك لا يسخر منك.
فلتعلم يا من أنعم الله عليك بنعمة القلم, أن الناس أعداء ما جهلوا, والكتب ليست أكواما من الورق الميت.. إنما هي عقول تعيش على الأرفف يتصفحها الإنسان ويأخذها صديقا حميما له عند الحاجة إلى المشورة والرأي. فحقا حينما يصدق القلم تسمو المعاني النبيلة, حينما يصدق القلم تُبنى الأجيال الشامخة العالية بفكرها تناطح سحاب العلم والمعرفة والشعور بأهمية الذات .. حينما يَصدق القلم تُصبح سطورك لَوحَة يَملأها الخضار معبرا عن جمال الحياة وجمال الطبيعة, فدعونا نَصدُق مع أقلامنا لكي يُصدقنا قارئنا، وتَصٌدق معنا أقلامنا, فنفخر بأقلامنا من خلال سطورنا وتفخر بنا صفحاتنا ويفخر بصفحاتنا قراؤها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي