هل يوجد لدينا تأمين شرعي وآخر نظامي (3 من 3)
ذكرتُ في مقالة الأسبوع الماضي أن الإشكالية الكبيرة التي تكتنف فتاوى التأمين التعاوني هي بسبب تكييف عقد التأمين التعاوني بأنه من عقود التبرع، وهذا يتعارض مع إمكانية أو تصور أن يُقرر هذا العقد مصلحة مالية أو مردودا ماليا للمتبرع. كما أن الجهة التي يتم (التبرع) لها وهي الصندوق الذي تديره شركة التأمين لا يذهب ريعه وهو التعويض إلا لجماعة المشتركين الذين هم أصلاً يُنظر إليهم كمتبرعين وهذا مخالف لحقيقة العقد وغايته.
وأرى أنه ينبغي استبعاد فكرة التبرع من التأمين التعاوني واستبدالها بتكييف شرعي مقبول، كأن يتم الاعتماد على فكرة الكفالة المتبادلة أو حتى الوقف أو أي نظام اقتصادي آخر يحقق منفعة اقتصادية صريحة لكل الأطراف وينسجم مع عمل التأمين وفنيّاته. وربما قد أذهب بعيداً وأقول دعونا نبحث عن الحل حتى وإن اضطررنا إلى تهذيب التأمين التجاري ليلبي المتطلبات الشرعية قدر الإمكان إذا كان ذلك يمنعنا من خلق نوع من التأمين قائم على فكرة سلب المستفيد من حقوقه التعاقدية تحت ستار التبرع ثم يتم إعادة هذه الحقوق إليه على استحياء وبطريقة غير مباشرة وبشكل أضعف وتحت ستار آخر.
الغريب في الأمر أن التأمين التعاوني في الغرب يمثل ضمانة أقوى وأفضل من التأمين التجاري لأنه أخذ في اعتباره تحقيق حماية قصوى للمشتركين بعيداً عن فلسفة الربح الذي تطمح إليه شركات التأمين التجارية، ولكنه ومع ذلك لم يُخرج العلاقة بين شركة التأمين التعاوني والمشتركين فيها من إطارها القائم على علاقة الشريك الذي يرجو العائد المالي والمشترك الذي تحكمه علاقة مالية تعويضية تبادلية ومباشرة مع شركة التأمين التعاوني، ونتيجة لذلك فقد وفّرت هذه العلاقة المتميزة حدوداً قصوى للتغطيات ومجالاً أرحب للتعويضات فاستفادت من هذا النظام شريحة لا يمكن لشركات التأمين التجارية أن تقوم بتغطيتها خاصة في مجال التأمين الصحي بينما نحن جعلنا من التأمين التعاوني نظاماً قائماً على تخريجات فقهية تُضعف من مركز المشترك وتقوض من علاقته مع الصندوق أو مع شركة التأمين التجارية وتجعله كالمتبرع الذي لا يرجو إلا إحساناً.
وفي الختام فإن القول بعدم وجود توافق بين الاشتراطات النظامية للنظام واللائحة وما يراه البعض من متطلبات شرعية بخصوص توزيع الفائض هو قول غير دقيق، فالبعض يرى أن الفائض من الاشتراكات يذهب الجزء الكبير منه إلى الشركة وجمهور المساهمين ولكن ينبغي طرح سؤال مهم في هذا المجال وهو هل إدارة شركة التأمين للصندوق بما في ذلك إدارة الجوانب التأمينية والمالية يعطيها الحق في الحصول على أجر مجز من فائض الصندوق؟ الإجابة من الناحية النظامية والشرعية هي طبعاً بالإيجاب. بقيت إذاً المسألة المتعلقة بمقدار هذا الأجر وإيجاد تكييف شرعي ونظامي للعلاقة بين إدارة الصندوق وشركة التأمين والعلاقة بين المساهمين والمشتركين وبين هؤلاء وشركة التأمين.
ثم أليس هناك أسباب فنية وعلاقات متداخلة بين المشتركين والمساهمين وشركة التأمين لو أخذناها في الاعتبار لترتب على ذلك زيادة في المردود المالي للأطراف؟ إن اللائحة التي تبنت توزيع نسبة الـ 90 في المائة على المساهمين ينبغي لها أن تعطي السبب النظامي والمحاسبي لهذه النسبة أو أن تقوم بتخفيضها وزيادة النسبة الخاصة بالمشتركين بشكل يتناسب مع ما تقوم به الشركة نظير إدارتها للصندوق.
إن المشكلة ليست كما يصورها البعض من أن شركاتنا بعيدة عن العمل الشرعي، فالمشكلة تكمن في أرقام ونسب مئوية قابلة للتوزيع وهي فقط بحاجة إلى تبرير وتأصيل، وكذلك وجود علاقات نظامية بين عدة أطراف بحاجة إلى تكييف صحيح.