«اسمي رضوان خان،وأنا لستُ إرهابياً!»
.. هذا الفيلمُ الهندي لا يمكن أن ينسى ـ لا قصةً، ولا مغزىً، ولا إخراجا، ولا إمتاعا فنيا، ولا إخراجا، ولا مهارة عالية في التمثيل وتقمص الشخصيات.. ولا المغزى. بطلاه اثنان من أساطير «بولي وود»، منبع صناعة السينما الهندية، الممثل المسلم «شاروخ خان» والممثلة الأشهر «كاجول». قرأت لأحد النقاد أنه لما رأى هذا الفيلم غيّر فكرته عن الإسلام، ويقول لو كان المسلمُ حقا كذلك لأعلنتُ إسلامي الآن. ورأى الفيلمَ صديقي المهندس الأمريكي دافيد إيمرسميث ويعمل معنا شريكاً في حقلٍ تقني، وهاتفني أول ما خرج وقال: «لقد صوّر هذا الفيلمُ وكأن الإسلامَ حلٌ للإنسانية..» وقلت له: «وهل صدقتَ ذلك؟».. فردّ: «أستطيع أن أقول لك أني تأثرت كثيرا».
الفيلم عن مسلم هندي اسمه «رضوان خان»، يمضي الفيلمَ وهو يفهم الجميع في أمريكا بأن ينطقوا حرف الخاء من سقف الحلق في أول اسمه، وهو مصاب بنوع مركب من متلازمة التوحد يسمى بمتلازمة أسبرجرز Asperser's syndrome، والمصابون بهذا النوع يأخذون الكلمات بمعانيها المباشرة، ولا يعرفون ولا يستطيعون إدراك الاستعارة والرمز أبداً، لو قلتَ لأحدهم:» أموت فيك» مثلا، فهو سيرتعب لأنه سيعتقد حتما أنك ستقتل نفسك حرفيا من أجل حبه.. ولا يمكنهم أن يكذبوا، ولا يتقبّلون الكذب، وتلمع عندهم مظاهرُ قدراتٍ ذهنية فذة، وتغيب عنهم القدرة البسيطة على التواصل الاجتماعي الطبيعي .. وهكذا كان رضوان خان.
«رضوان خان» كمريض توحد يردد أي أقوال يسمعها، ولما سمع في صباه أثناء القتال الشرس الذي دار في شوارع بمباي في الثمانينيات بين الهندوس والمسلمين، جماعة من المسلمين يتوعدون ويسبون الهندوس ويتحالفون على قتلهم ونسائهم وأطفالهم كما فعلوا معهم، سمعت والدتُه ما يردده من كلام، رسمت له شخصين على ورقة: شخص يحمل سيفاً ليقتله، وشخصٌ يحمل حلوى ليهديه، وقالت له:»من تحب من الشخصين؟» فاختار صاحب الحلوى، «ومن تكره؟» سألته، رد عليها: «حاملُ السيف».. فقالت له أمه بعد أن ركزت في الحديث كي يحفره في ذكرته التي لا تنسى شيئا: «لو كان صاحبُ السيفِ مسلماً لكان شريراً أمامك، ولو كان صاحب الحلوى هندوكيا فهو طيب أمامك، والعكس صحيح، هناك نوعان فقط من البشر يا بني: الطيبون والأشرار، من كل فصيلة من كل نوع هناك دوما هذان النوعان..».
رضوان في أمريكا يتعرف على الفتاةٍ الهندوكية «مانديرا» ويصنفها بأنها طيبة، فيتزوجها، ولها ابن من زواج سابق، ويتعلق الابنُ به ويغير اسمه إلى اسم مسلم. تتوالى الأحداث ويقوم هجوم الحادي عشر من سبتمبر، فيكتبُ رضوان لزوجته «مانديرا» وتتقمص شخصيتها الممثلة «كاجول»: «كان الناسُ يؤرخون قبل الهجرة وبعد الهجرة، قبل الميلاد وبعد الميلاد، والآن يؤرخون ويصنفون قبل 11 سبتمبر وبعده». ثم في عراك الكراهية التي نتجت بعد الحادثة الكبرى، يُقتل الطفلُ في ساحة كرة القدم بالمدرسة من قبل فتيان بيضٍ عنصريين، فلا تجد الزوجة الهندوكية «مانديرا» إلا أن تصب غضبها على رضوان، تتهمه بأنه السبب، فلو لم يأخذ اسمه، ولم تتزوجه هي لكان ابنها ما زال على قيد الحياة، ثم قالت له كما يردد الكثيرون آنذاك في أمريكا: « أنت مسلم والمسلمون إرهابيون»، فيرد عليها بقناعته الراسخة التي لا تقبل النقاش، لا أنا لست إرهابيا». فترد عليه بترجيع تضخيمي غاضب: «اذهب وفهم كل أمريكي بأنك رضوان خان، وأنك لست إرهابيا..اذهب إلى رئيس أمريكا وقل له أن اسمك رضوان خان وأنك لست إرهابيا..»، فقال لها ببساطة الفهم المباشر: «وهل إذا قلت ذلك للرئيس تعيدينني إلى البيت معك؟» فردت بحنق وضيق للتخلص منه: «نعم حينها أعيدك.. هه، أغرب عن وجهي لا أريد أن أراك!».
ولكنه يأخذ المهمة عن جدّ، ويبدأ في مسيرة للوصول إلى الرئيس الأمريكي ليقول له: «اسمي رضوان خوان، وأنا لستُ إرهابيا»، وفي رحلته لتعقب الرئيس الأمريكي تصير له حوادث منها أنه يصل لولاية جنوبية فيتعرف على «ماما جيني» وابنها الصغير، و»ماما جيني» امرأة سوداء ضخمة الجثة تملك قلباً من ذهب، فيصنفها «رضوان» في الحال كما صنفت أمه البشر أجمعين بأنها من النوع الطيب، ويعمل معها بإخلاص ويبدأ في تصليح أي جهاز عندها وعند كل أهل قريتها، فقد كان رضوان خان عبقريا في إصلاح أي جهاز.. فتتعلق كل القرية بحب خان كما أحبهم.
تشك فيه أجهزة الاستخبارات الأمريكية لأنه يتعقب الرئيس، فيُتَّهم بأنه إرهابي ويُعذَّب، ولم يفهم فهو ليس إرهابيا، ولما عذبوه بالكهرباء وتغيير جو الغرفة من برد قارس إلى حرارة حارقة، كتب لزوجته: «لماذا لا يتركونني أصلح أجهزة الكهرباء والتكييف عندهم؟! ولكن يا مانديرا أكثر ما يؤلمني هو أني لا أعرف أوقات الصلاة، وأنهم تركوني بشورتٍ قصير، ولكني رغم ذلك أصلي.. وأصلي».
يخرج رضوان من السجن ويعاني ظروفا وصعابا، وعند كل مصيبة يستجلب آيات القرآن، وعند كل وفاة يتلو علناً: «إنا لله وإنا إليه راجعون».. ثم يضرب إعصار «كاترينا» الولاية الجنوبية، ويرتعب خان على أصدقائه هناك «ماما جين» والبقية، ويهرع لإنقاذهم، وهناك وسط الخراب والمياه والموت تقول له «ماما جين»: «اذهب يا رضوان فهذه المرة لا يمكنك أن تصلح ما خرب» على أنه يبقى، وتصل لوسائل الإعلام بطولات رضوان، ثم تسري الحماسة في الناس، فيتوجه عشرات المسلمين مع مواد الإغاثة لإسعاف المسيحيين السود.. وبرع المخرجُ في التركيز التأثيري في محبة البشر للبشر في الإسلام.
يصل الخبر للرئيس الأمريكي ويستقبله، ويُشجَّع رضوان أن يتكلم أمام الرئيس فقال له: « أنا اسمي رضوان خان، وأنا لستُ إرهابيا».. فيعتبره الرئيس بطله.
ويعود خان لزوجته ليقول لها: «لقد أخبرت الرئيس فهل أعود؟».. وعاد.
إن هذا الفيلم يعطي مثالا كيف يمكن أن نستخدم هذه الوسيلة «الخارقة» التأثير في سبيل خدمة قضايانا وعقيدتنا.
وينقله لكم نجيب الزامل وهو ليس إرهابيا!