لا تحبس أنفاسك انتظارا

لا تحبس أنفاسك انتظارا

يحدث شيء غريب في أسواق الكربون. فهي ابتكارات سياسية بالكامل - فحتى أكثر المهندسين الماليين إبداعا لن يبتكروا، من تلقاء أنفسهم، فكرة اختلاف القيمة بين الهواء الذي يستنشقه الناس والهواء الذي يزفرونه. ومع ذلك، يبدو أن التجار غير مهتمين بالإشارات السياسية. فعلى الطرف الفوضوي من قمة كوبنهاجن حول المناخ في كانون الأول (ديسمبر)، انخفضت الأسعار في أكبر سوق لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، المخطط الأوروبي للاتجار بالانبعاثات، من 14.60 يورو (20.50 دولار) إلى 12.70 يورو. إلا أن سعر طن ثاني أكسيد الكربون ظل أعلى من أدنى مستوى له العام الماضي.
وخسارة الديموقراطيين اللاحقة في انتخابات مجلس الشيوخ في ماساشوستس، التي وجهت ضربة قاضية لاحتمالات إقامة نظام أمريكا لوضع حد أعلى والاتجار بالانبعاثات، والذي كان سيوسع بصورة كبيرة أسواق الكربون العالمية، كانت أقل تأثيرا. ولم يثر الإعلان هذا الأسبوع عن التزامات تخفيض الكربون التي كانت الدول على استعداد لقبولها بموجب ''اتفاق'' كوبنهاجن أي ضجة.
وهناك تفسيران لهذا البرود. أحدهما هو أن الأسواق وضعت في اعتبارها بالفعل احتمالية عدم التوصل إلى اتفاقية في كوبنهاجن وعدم تقديم مشروع قانون لنظام الحد الأعلى والاتجار من قبل باراك أوباما. والتفسير الآخر هو أن توقعاتها طويلة الأجل لا تزال معقولة، إن لم تكن متواضعة.
ويعتقد أن العرض يفوق الطلب في المخطط الأوروبي للاتجار بالانبعاثات في الوقت الحالي بسبب الركود. ويعني انخفاض الناتج الصناعي والطلب الأقل على الكهرباء أن الكمية المتفق عليها مسبقا لحصص الكربون (التي تعرف باسم EUAs) المتوفرة خلال الفترة من 2008-2012 ستكون أكبر من الكمية الفعلية للكربون المنبعث. وقد أدى وضع مماثل إلى انهيار السوق عام 2007 إلا أن هذا لم يحدث هذه المرة لأنه يمكن تجميع حصص الكربون المتفق عليها مسبقا التي انبعثت من عام 2008 لاستخدامها في المرحلة المقبلة من المخطط، التي ستبدأ من عام 2013-2020. وتشير تقديرات شركة Point Carbon للأبحاث أنه بموجب سياسة الاتحاد الأوروبي الحالية، التي تدعو لتخفيض انبعاثات الكربون عام 2020 بنسبة 20 في المائة عن مستوياتها عام 1990، من المفترض أن يكون السعر عام 2016 وصل إلى 20.40 يورو. وإذا قرر الاتحاد الأوروبي التخفيض بنسبة 30 في المائة، فسيبلغ السعر من 30-60 يورو.
ولكن بما أن الأسعار الحالية ثابتة، فمن الواضح أنها لا تحقق أهداف السياسة التي دفعت السياسيين إلى وضعها في المقام الأول. والطريقة الأكثر وضوحا على المدى القصير التي يمكن فيها لأسعار الكربون في المخطط الأوروبي للاتجار بالانبعاثات تخفيض الانبعاثات هي تشجيع شركات توليد الكهرباء على التحول من الوقود الأرخص المرتفع في نسبة الكربون، مثل الفحم، والذي يتطلب منها شراء مزيد من الائتمانات، إلى الوقود الأغلى المنخفض في نسبة الكربون، مثل الغاز الطبيعي. ولكن في الوقت الحالي، مع الانخفاض النسبي لأسعار الغاز وارتفاع أسعار الفحم، سيتم هذا التحول على أية حال، وفقا لـ Sabine Schels من Bank of America Merrill Lynch.
ولتشجيع إجراء المزيد من التغييرات العميقة في توليد الطاقة، مثل تطوير أنواع جديدة من محطات الطاقة النووية أو مصانع الفحم التي تخزن الكربون، سيكون سعر الكربون أعلى كثيرا. ولعل الأسعار الحالية جعلت الصناعيين أكثر وعيا لتأثيراتهم في مجال الكربون، ولكن ليس لها تأثير كبير على العالم ككل.
ووفقا لـ Kristian Tangen من شركة Point Carbon، فإن أكبر تأثير لأسواق الكربون على الانبعاثات حتى الآن هو التأثير على الاستثمارات في الدول النامية. وقد حدد بروتوكول كيوتو، اتفاقية عام 1997 بشأن الانبعاثات، ''آلية تطوير نظيفة'' يمكن بموجبها أن تولد التخفيضات في انبعاثات غازات الدفيئة في الدول النامية ائتماناً كربونياً يمكن الاتجار به إلى جانب حصص الكربون المتفق عليها مسبقا.
وقد يؤدي التوصل إلى اتفاقية لتجديد بروتوكول كيوتو، أو وضع نظام الحد الأعلى والاتجار في أمريكا، إلى زيادة حجم هذه السوق بصورة كبيرة. ولكن لن يحدث أي من ذلك قريبا. وفي الوقت الراهن، من المقرر أن ينتهي بروتوكول كيوتو عام 2012، وقد تنتهي معه آلية التطوير النظيفة. ويقول Abyd Karmali من هيئة Carbon Markets and Investors Association للتجارة: ''سيتم إما إلقاء آلية التطوير النظيفة في سلة المهملات لأن النهج الغريب القائم على أساس السوق لم يجتذب ما يكفي من الإرادة السياسية، أو ستنمو تدريجيا بصورة كبيرة''. ويخيف هذا المستوى من عدم اليقين الاستثمارات الجديدة ولكنه لا يبعدها تماما. ويقول James Cameron، نائب رئيس Climate Change Capital، التي تدير استثمارات آلية التطوير النظيفة: ''إذا لم تكن في السوق فمن المنطقي إذن أن تنتظر. ولكن إذا كنت واثقا من أهداف السياسة العامة التي تدفع السوق، وتعرف أنه لم يتم حل المشكلة، فستدفعك قناعتك إلى الاستمرار في الاستثمار حيث توجد القيمة''.
وإذا كان السياسيون الأوروبيون يريدون فعلا رفع سعر الكربون في الأجل القصير، يمكنهم ذلك، كما يقول Michael Grubb، الأستاذ في جامعة كامبردج الذي يترأس أيضا شبكة Climate Strategies للمستشارين في السياسة. ويتم بصورة منتظمة الاتجار بحصص الكربون المتفق عليها مسبقا في المزادات العلنية من قبل ألمانيا وبريطانيا. ويمكنهم تحديد سعر احتياط يبلغ 20 يورو مثلا. وإذا لم يقدم أحد عروضاً، يتم تشديد المعروض من الحصص إلى أن يرتفع السعر. وحين تمت إثارة هذه الفكرة للمرة الأولى في العام الماضي، اجتذبت تعليقات سلبية لأنها تشكل تدخلا سياسيا. ولعل هذا انتقادا عادلا، ولكن بالنظر إلى الطبيعة السياسية للسوق، فهو انتقاد غير ضروري

الأكثر قراءة