ستيف جوبز وحبة الأمل

ستيف جوبز وحبة الأمل

''الأبطال والبطولات'' هو أحد المواضيع الرئيسة للموسم الحالي في مركز Yerba Buena للفنون في سان فرانسيسكو، الذي يفخر بعرض الفنانين المعاصرين الذين يتحدون الطرق التقليدية للقيام بالأمور. ففي 27 من كانون الثاني (يناير)، استضاف المركز أحد أبطال صناعة الحوسبة، وهو ستيف جوبز، رئيس شركة أبل، الذي أطلق أحدث ابتكار للشركة، iPad. ويشتهر جوبز أيضا بعرض أشياء غير تقليدية. ولم يسبق أن خيب الآمال.
وقد يغير iPad، الذي يبدو مثل جهاز iPhone ضخم وله شاشة ملونة بقياس عشر إنش تقريبا (25 سم)، معالم عالم الحوسبة. ويبلغ سمكه نصف إنش فقط ويزن 680 جراما. ويقول جوبز واصفا الجهاز، الذي سيكون متوافرا في أواخر آذار (مارس): ''إنه أكثر حميمية بكثير من الكمبيوتر المحمول، وأكثر قدرة بكثير من الهاتف الذكي''.
وهناك حدود مهمة لجهاز iPad الجديد، الذي سارع النقاد إلى الإشارة إليها. فهو لا يحتوي على كاميرا أو هاتف، ولا يمكن للمستخدمين تشغيل تطبيقات متعددة عليه في الوقت نفسه. ولكن من المفترض أن تتمكن أبل من تصحيح مثل هذه العيوب في الوقت المناسب. ومع مجموعة من أجهزة الكمبيوتر ''الحبة'' التي من المتوقع أن تصل الأسواق خلال العام المقبل أو نحو ذلك، يتوقع أن يحدث iPad ثورة في الطريقة التي يتم بها استهلاك الإعلام الرقمي في المنازل والمدارس والمكاتب.
ومن المرجح أن يكون لتدفق الأجهزة تأثير عميق على بعض أقسام قطاع الإعلام التي يتم تحويلها رأسا على عقب الآن بسبب الإنترنت. فالانتقال من الطباعة إلى العالم الرقمي لم يكن سهلا على ناشري الصحف أو المجلات. وقد تبين أن القراء غير مستعدين لدفع ثمن المحتوى على الشبكة. والشركات غير مستعدة لدفع نفس القدر للإعلانات على الإنترنت كالذي تدفعه للإعلانات المطبوعة - ليس هذا غريبا بالنظر إلى مقدار المساحة المعروضة. ومن المحتمل أن يسرّع iPad هذا التحول بعيدا عن المواد المطبوعة ونحو المحتوى الرقمي، الذي قد يزيد آلام الصناعة على المدى القصير. إلا أن الناشرين يأملون في أن يتبين أن الحبوب هي ما يعادل الصفحة المطبوعة للقرن الـ 21، مما يمنحهم طرقا جديدة مقنعة لتقديم محتواهم وفرض رسوم عليه. ويقول Phil Asmundson، من شركة Deloitte الاستشارية: ''إن هذه فرصة حقيقية للناشرين للتمسك بحياة ثانية''.
ليس من المفاجئ إذن أن تجتذب أبل بعض العلامات التجارية الممتازة في عالم الإعلام إلى منصة iPad. وخلال العرض الذي قدمه، كشف ستيف النقاب عن أن الشركة أبرمت صفقات مع ناشرين بارزين مثل Penguin وSimon & Schuster. وسيقوم الناشرون بتوفير الكتب لجهاز iPad، التي سيتم إيجادها ودفع ثمنها في متجر iBooks الجديد لأبل على الإنترنت. ومن المتوقع توقيع مزيد من الاتفاقات قبل أن يتم شحن أول دفعة من أجهزة iPad في آذار (مارس). وسيتمكن المستخدمون أيضا من تحميل التطبيقات التي تتيح لهم الحصول على إصدارات إلكترونية من صحف مثل ''نيويورك تايمز''، التي قدمت تطبيقا لجهاز iPad عند إطلاقه. ولا شك أن شركاء أبل من شركات الإعلام لديهم مشاعر مختلطة بشأن التعامل مع جوبز. فشركة أبل ينظر إليها باعتبارها شريرة في صناعة الموسيقى لأنها تهيمن على مجال التحميل الرقمي في متجرها iTunes. وتمكنت الشركة من السيطرة على أسعار الموسيقى، ما زاد مبيعات أجهزة iPod ولكنه لم يجلب لشركات التسجيل كثيرا من المال. ومع ذلك، توفر ''أبل'' وسيلة لكي يحقق قطاع الموسيقى الأرباح على الإنترنت، الأمر الذي استعصى عليه حتى الآن. كما إن هاتف iPhone الأنيق لشركة أبل أعطى كثيرا من منتجي المحتوى منبرا لتقاضي ثمن بضاعتهم.
وتشير سجلات الشركة إلى أنها ستتمكن من تحقيق إحدى أكبر أمنيات صناعة الحوسبة. وقد حاولت شركات التكنولوجيا مرارا تحقيق النجاح من الحبوب أو الأجهزة المماثلة. إلا أن المنطقة بين الكمبيوتر المحمول والهاتف المحمول كانت أشبه بمثلث برمودا بالنسبة لمصنعي الأجهزة، كما يشير Roger Kay من شركة Endpoint Technologies الاستشارية. وهو يقول: ''عادة ما تختفي الأجهزة التي يتم إطلاقها هناك من شاشات الرادار''.
ومن بين تلك الأجهزة الأجيال السابقة لأجهزة الكمبيوتر التي بحجم الحبة. ففي التسعينيات، جربت شركات عدة تصنيع هذه الآلات، ومنها ''أبل''. وحين فشل مساعدها الرقمي الشخصي في الانطلاق، قتل جوبز المشروع. ودخلت الحبوب مرة أخرى إلى دائرة الضوء لفترة وجيزة حين تنبأ بيل جيتس، رئيس مايكروسوفت، بأنها ستصبح قريبا جهاز الحوسبة الرئيس للناس - بحيث يتم تشغيله بالطبع بواسطة برنامج شركته. ولم يحدث هذا لأن المستهلكين كانوا محبطين من أسعار الحبوب المرتفعة، وواجهة المستخدم المعقدة، والقدرات المحدودة. وبدلا من ذلك، ظلت الأجهزة، التي كانت تكلف تقريبا بقدر جهاز الكمبيوتر الشخصي، منتجا متخصصا يستخدم في المقام الأول في صناعات مثل الرعاية الصحية والبناء.
لماذا تثير الحبوب كل هذه الإثارة هذه الأيام؟ أحد الأسباب هو أن الابتكارات المعروضة والبطاريات وتقنيات المعالجة متناهية الصغر خفضت تكلفتها بصورة كبيرة. ويبلغ سعر iPad لشركة أبل ما بين 499 دولارا للإصدار الأساسي و829 دولارا للإصدار الذي يضم كثير من الذاكرة واتصالا لاسلكيا للجيل الثالث، ما يجعله في متناول المستهلكين العاديين. والسبب الآخر الذي يدعو للتفاؤل هو أن الواجهات تحسنت إلى حد كبير. فجهاز iPad يضم لوحة مفاتيح كبيرة، تظهر عند الحاجة إليها. ويحتوي أيضا على خاصية اللمس المتعدد، ما يعني أنه يمكن استخدام إصبعين لتغيير حجم الصورة. إضافة إلى ذلك، ستستفيد الحبوب من حقيقة أن الناس أصبحوا معتادين على شراء واستهلاك المحتوى على شكل رقمي.
ويفسر كل هذا سبب استهداف شركات أخرى لسوق الحبوب أيضا. فقد كانت عشرات النماذج الأولية معروضة في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية التجاري في لاس فيجاس هذا الشهر، بما في ذلك نماذج من موتورولا، وLenovo وديل. ويعتقد Jen-Hsun Huang، الرئيس التنفيدي لشركة NVIDIA التي تصنع الرقاقات الرسومية، أن هذه هي المرة الأولى التي يشاهد فيها شركات الاتصالات وشركات تصنيع أجهزة الكمبيوتر وشركات الإلكترونيات الاستهلاكية متحمسة لإنتاج المنتج نفسه. ويضيف: ''إن الحبة هي أول جهاز إلكتروني يسهم حقا في التقارب''.

كمبيوترات netbook والكتب الإلكترونية
قد يغير iPad وغيره من الحبوب المشهد في عالم الحوسبة بصورة جذرية. وهناك بعض التكهنات التي تقول إنها قد تقلص مبيعات أجهزة الكمبيوتر الشخصي العادية، بما في ذلك MacBook لشركة أبل. إلا أن السيناريو الأكثر احتمالا هو أن تقلص مبيعات كمبيوترات netbook، الكمبيوترات المحمولة الصغيرة جدا التي تستخدم أساسا لتصفح الشبكة ومشاهدة الفيديو. وقد لاقت كمبيوترات netbook نجاحا كبيرا في الآونة الأخيرة، حيث زادت المبيعات العالمية بنسبة 72 في المائة لتصل إلى 11.4 مليار دولار العام الماضي، وفقا لشركة DisplaySearch لأبحاث السوق. وهذا يجعلها هدفا مغريا.
ويفرض جهاز شركة أبل الجديد خطرا أيضا على أجهزة قراءة الكتب الإلكترونية مثل Amazon Kindle، على الرغم أنها ستظل على الأرجح تحظى بالشعبية لدى المثقفين. وقد أجبر دخول أبل الذي طال توقعه إلى سوق الحبوب شركات القراءة على الإنترنت على التفكير في صنع أجهزة أكثر تنوعا وإثارة. ويتوقع Richard Archuleta من شركة Plastic Logi التي تنتج Que proReader: ''سترى مزيدا من القرّاء الذين يستخدمون الألوان والفيديو على مدى السنوات الخمس المقبلة''. وقد يتخذ عدد أكبر من مصنعي القراءة الإلكترونية قرارا مثل قرار Amazon أخيرا بالسماح لمطورين من أطراف ثالثة بإيجاد برنامج لخط قارئ Kindle.
ويأمل ناشرو الكتب أن يساعد دخول أبل إلى عالم الكتب الإلكترونية على تقليل نفوذ Amazon؛ يملك Kindle نسبة 60 في المائة من سوق القراءة الإلكترونية، وفقا لشركة Forrester للأبحاث. ويشعرون أيضا بالحماس بسبب الفرص التي توفرها الحبوب للجمع بين وسائل الإعلام المختلفة. ويعتقد Bradley Inman، رئيس شركة Vook التي تخلط النصوص مع الفيديو وتربطها بالشبكات الاجتماعية، أن جهاز iPad سيؤدي إلى تدفق الإبداع. ويضيف: ''سيكون تأثيره مشابها لإضافة الصوت إلى الأفلام أو الألوان إلى شاشة التلفزيون''. وتشعر الصحف والمجلات أيضا بالحماس بسبب إمكانات الحبوب. وأملهم الكبير هو أن تسمح لهم الأجهزة بتوليد إيرادات من كل من القراء والمعلنين. وقد أثبت الناس أنهم مستعدون لدفع ثمن الصحافة طويلة الأجل في أجهزة القراءة الإلكترونية. إلا أن هذه الأجهزة لا تسمح للناشرين بتقديم محتواهم بطرق إبداعية، ولا تستطيع معظمها استيعاب الإعلانات. ويعتبر جهاز القراءة الإلكترونية Skiff، من Hearst، استثناء نادرا من هذه القاعدة. فجهاز القراءة كبير بما فيه الكفاية لإظهار جميع عناصر تصميم المجلة ويستوعب الإعلانات أيضا. ويعني وصول أبل إلى سوق الحبوب أنه سيكون على الناشرين تطوير محتوى رقمي لتلك الأجهزة، وكذلك لأجهزة القراءة الإلكترونية والهواتف الذكية. وسيتبين أن عديدا منها غير قادرة أو غير راغبة في فعل هذا بنفسها. وقد يعزز هذا شركات مثل Zinio، التي طورت نموذجا للنشر الرقمي يدعى Unity. ويأخذ هذا النموذج محتوى التطبيقات، ويعيد استخدامها لجهاز مختلف ويخزنها في ''السحابة''، المصطلح المستخدم لوصف التجمعات الضخمة من القدرة المشتركة على معالجة البيانات. ويدفع المستخدمون مرة واحدة للمحتوى ويمكنهم الحصول عليه على أجهزة مختلفة تشغلها Zinio، ما يزيد فرص استهلاكه. ولدى أبل طموحات أخرى لجهاز iPad. فهي تأمل في أن يصبح جهاز ألعاب شعبي، وصممت الجهاز بحيث يتمكن فورا من تشغيل كثير من الألعاب من بين 140 ألف تطبيق متوفر لمنتجات أبل الأخرى. وجددت الشركة أيضا iWork لمعالجة النصوص وجداول البيانات وبرامج العروض التقديمية لجهاز iPad في محاولة أن يواكب الجهاز الجديد متطلبات رجال الأعمال. ولا شك أن المساهمين في أبل يأملون في أن يرقى جهاز iPad إلى مستوى تكلفته باعتباره جهازا حاسما في تاريخ الحوسبة. وقد شهدوا بالفعل ارتفاع سعر سهم الشركة. وتحديا للركود، أعلنت ''أبل'' في 25 من كانون الثاني (يناير) عن أفضل نتائج فصلية لها في تاريخها منذ 34 عاما، حيث ارتفعت الإيرادات إلى 15.7 مليار دولار والأرباح إلى 3.4 مليار دولار- زيادة بنسبة 32 في المائة و50 في المائة على التوالي خلال العام الماضي. وسيظلون يأملون في أن يتحول iPad إلى جهاز رائج يعود بمليارات الدولارات. وسواء حدث ذلك أم لا، أثبت جوبز بالفعل أنه بطولي بما فيه الكفاية ليستحق وضع صورة له على جدران مركز Yerba Buena

الأكثر قراءة