التدريب في التمويل الإسلامي.. شهادات تحتاج إلى شهادات

أصبح الاستثمار في العلم من متطلبات العصر الحديث، وينقسم هذا الاستثمار من وجهة نظري إلى قسمين: أولاً استثمار المؤسسات التعليمية والتدريبية سواء كانت من القطاع العام أو الخاص، وثانياً، استثمار الفرد في ذاته من أجل الحصول على رتبة ومكانة علمية ومهنية تؤهله للحصول على وظيفة ما أو تسيير عمل ما.

ولما برزت الصناعة المالية الإسلامية على أنها واعدة من حيث نموها وانتشارها، أصبح الطلب على المختصين بالعمل المالي الإسلامي يفوق ما هو معروض في سوق العمل, وبالتالي تشكلت نوافذ من الفرص لكل من المؤسسات والمعاهد التعليمية من جهة, وللأفراد الراغبين في العمل في الصناعة المالية الإسلامية من جهة أخرى. وهذا كله أدى إلى وجود حالة من العرض والطلب على التعليم والتدريب المالي الإسلامي. ومن الممكن أن نستدل رقمياً على هذه الحالة من خلال دراسة أجرتها قبل 3 سنوات مؤسسات استشارية عالمية, أوضحت فيها أن الصناعة المالية الإسلامية في الخليج العربي ستحتاج إلى أكثر من 30 ألف وظيفة إضافية خلال السنوات العشر المقبلة.

ولعل ما يعنينا في هذا المقام هو المعروض من شهادات مهنية طرحت أخيراً في الأسواق من قبل مؤسسات قطاع خاص أو مؤسسات غير هادفة للربح كإسهام منها في تلبية الطلب على التأطير لبعض المهن في الصناعة. فطرحت في الأسواق شهادات تتعلق بالتدقيق الشرعي كمهنة، وبالعمل المحاسبي الإسلامي كمهنة ثانية، وبالعمل في الصيرفة الإسلامية بشكل عام كمهنة ثالثة، وبالعمل في التحليل المالي الإسلامي كمهنة رابعة ... إلى آخره. ورغم أن جميع ما ذكر قد ينظر إليه على أنه ظاهرة إيجابية تسهم في التوصيف المهني في الصناعة، إلا أنه ــ مع الأسف ــ لا يمكن الجزم بأن أيا من تلك الشهادات يلقى قبولاً عاماً من حيث المخرجات التي تنعكس على مهنية حاملها.

المشكلة العظمى تكمن في طريقة الإعداد لمثل تلك الشهادات، وهي في الغالب هشة لا تتمتع بالرصانة ولا تستند إلى أساليب علمية ومهنية راسخة في إعداد المناهج والاختبارات, ناهيك عن الإرباك في عمليات التنظيم وارتفاع التكلفة.

وكخطوة استباقية للدفاع عن نفسي بحملي هذا الرأي إزاء الذين يحملون تلك الشهادات أو من القائمين عليها، علني أطرح مقارنة بسيطة بينها وبين شهادة عالمية واحدة وهي محلل مالي معتمد (Certified Financial Analyst CFA) الصادرة عن معهد المحللين الماليين المعتمدين في الولايات المتحدة الأمريكية. فهذه الشهادة تمنح على ثلاث مراحل زمنية قد تمتد إلى سنة كاملة في كل مرحلة يأتي بعدها اختبار يشهد له بالمتانة والرصانة، ولا يمكن لمن لا يجتاز المرحلة الأولى أن يرتقي للمرحلة الثانية ومنها إلى الثالثة. ويوصي القائمون على هذه الشهادة كل من يسعى إلى الحصول عليها في أي مرحلة بأن يفرغ نفسه على الأقل 3 ساعات في اليوم خلال فترة الدراسة التي قد تمتد إلى سنة كاملة في المرحلة الواحدة. كما أن للمعهد القائم على الشهادة موقع إلكتروني يتم الدخول إليه من قبل الطلبة والحصول على نماذج من الأسئلة والتفاعل من الآخرين من الحاصلين على الشهادة أو الذين في طريقهم للحصول عليها. والأهم من ذلك، أن مناهج ومتطلبات تلك الشهادة بنيت أساساً من قبل لجان علمية ومهنية يشارك فيها جهابذة العلم المالي، إضافة إلى وجود عشرات الكتب والأقراص المدمجة التي تتناول منهاج المواد التدريبية المؤهلة .. وغيرها من الأمور التي تبهر ذوي الألباب.

النتيجة النهائية والحتمية، أن هذه الشهادة تؤهل حاملها للحصول على وظيفة في أي مؤسسة مالية، بل إنها في كثير من الأحيان ترتقي من الناحية المهنية إلى شهادة الدكتوراه من وجهة نظر كبار المديرين في المؤسسات المالية.

ولا أريد أن أذكر هنا سيئات ما هو مطروح في الأسواق من شهادات مهنية في التمويل والمصرفية الإسلامية، لاكتفائي بذكاء القارئ بأن يستنبطها عند إجراء المقارنة بينها وبين CFA أوCPA أو CMA ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ ليكتشف أن الشهادات المهنية في الصناعة المالية الإسلامية تحتاج إلى شهادات مهنية وعلمية تؤكد مدى قوتها ونجاعتها.

وحتى لا نعمم الحكم على الشهادات المهنية في التمويل والمصرفية الإسلامية، يجدر بنا أن نتطرق إلى التجربة الماليزية من خلال المركز الدولي للتعليم في التمويل الإسلامي أو ما يعرف اختصارا بـ (INCEIF), الذي طرح منذ سنوات شهادة ممارس معتمد في التمويل الإسلامي CIFP بطريقة مشابهة إلى حد بعيد طريقة منح الشهادات الدولية التي ذكرتها سابقاً، إلا أننا ولحداثة عهد تلك الشهادة لا بد أن ننتظر للحكم على مخرجاتها, سيما أنها باللغة الإنجليزية فقط.

المحصلة النهائية، أن الصناعة المالية الإسلامية هي الضحية الكبرى. حيث إن تلك الشهادات قد تؤهل من هو ليس بأهل للعمل فيها, وبالتالي سينعكس سلباً على نموها المستقبلي وتوسعها وانتشاره, لأن الأمم تنتشر بعلمها ودينها وقيمها. ومن هنا، فإن على الغيورين على الصناعة أن يعملوا على تأسيس مخطط له بعناية لمعهد دولي يتولى عملية تأهيل العاملين في الصناعة، أو ربما بتوسيع الرقعة الدولية للمعهد الماليزي وإضفاء اللغة العربية كلغة لمنتجاته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي