اكفلني .. شربكني!

لا أتصور أن واحدا في السعودية لم يتعرض لمشكلات الكفالة والكفيل، على مختلف استخداماتها، سواء مالية أو حضورية أو غيرها. طبعا الموضوع لا علاقة لها (بكفالة الأجانب) طيبة الذكر التي يسرح ويمرح بسببها ملايين العمالة الأجنبية في الشوارع، وإلا لاحتاج الأمر إلى مجلدات.
المشكلة في قضية الكفالة هذه أن كثيرا من الجهات سواء الحكومية أو الأهلية أسرفت بشكل كبير في طلبها حتى على أقل الأمور أهمية، بل إن جهات كنا نعتقد أنها خارج إطار البيروقراطية مثل أرامكو بدأت باستخدام هذا الإرث الغريب.
أتفهم الإجراءات الشرعية أو الأمنية في قضايا بعينها، لكن فتح الباب على مصراعيه لـ «شربكت» البشر بهذا الأمر يدل على خلل ما في استيفاء الحقوق، إذا اعتبرنا أن الكفالة تعتمد على إحراج الشخص من خلال الضغط على كفيله.
خذ مثلا شخص يتعرض لحادث سير بسيط، ويحال إلى حجز المرور بحاجة لشخص يكفله. وهكذا بدل أن يكون لدى المرور خصمان أصبحوا ثلاثة أطراف لأنك دخلت على الخط من أجل عيون أحدهم/ قريبك/ صديقك. بعد فترة من الزمن تتلقى اتصالا بدفع مبلغ من المال لشركة التأمين عن الشخص الذي كفلته، طبعا أنت تستاهل لأنك تبرعت وذهبت «برجولك» إلى مقر المرور، لكن أيضا كان يمكن أن يتعهد الشخص ذاته أمام المرور بمعرفة عنوانه ومقر عمله وتنتهي القضية.. فأنا وإياه على المسافة ذاتها من الأنظمة، لماذا يستطيعون إرغامي على (الدفع) ولا يرغمونه .. لكنها الكفالة.
شخص يقبل في معهد أو كلية ما .. تفاجأ بورقة كفالة يحملها ويبحث عمن يوقعها وتحت تأثير مخدر الفزعة، والقرابة «تطخ» التوقيع وتتحمل تبعات أي مشكلة يثيرها .. طبعا يمكن ألا يثير شيئا .. لكن الكفالة «تقدر عليك ولا تقدر عليه».
اتصال هاتفي .. صديقك فلان في وكالة السيارات يطلب تعريفا من مقر عملك لتكون كفيلا لسيارته التي اختارتها زوجته.. يمكن أن يكون عملك أفضل من عمله ومرتبه أكبر من مرتبك ثلاث مرات لكنك تصبح كفيله تحت وقع المخدر ذاته .. لأن الشركة تستطيع جرك «من أذنك» ولا تستطيع فعل ذلك معه.. لكن فلسفة الكفيل والمكفول وما تفعل!
كل شخص يجب أن يتحمل تبعات عمله وتصرفه.. ولاعلاقة للآخرين في المقابل فمن يستطيع أخذ حقوقه من الكفيل المسكين فما الذي يمنعه من فعل ذلك مع الشخص المعني مباشرة؟
إن مصطلح كفالة في تراثنا له مدلولات إنسانية واجتماعية عميقة يجب أن نحافظ عليها، مثل كفالة اليتيم، والتكافل الاجتماعي وغيرها، أما أن نتخلى عنها أو نكاد، ونتمسك بالكفالة فهذا يعني مزيدا من «الشربكة» وخلط الحابل بالنابل!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي