جهود الإغاثة الضخمة تسير متعثرة

جهود الإغاثة الضخمة تسير متعثرة

في إحدى مدن الخيام المتداعية التي انتشرت في المساحات المفتوحة في جميع أنحاء Port-au-Prince في Isa Longchamp، بدأت فتاة صغيرة حزينة ذات شعر أشعث تبلغ من العمر ثماني سنوات بالشكوى. فبعد أن فقدت والدتها حين ضرب الزلزال العاصمة الهاييتة في 12 من كانون الثاني (ينا)، تكافح الآن من أجل البقاء على قيد الحياة. وهي لا تزال جائعة حيث لم تتمكن من الحصول على الطعام حين تدافع مئات من ضحايا الكارثة اليائسين على عمال الإغاثة الذين يوزعون شحنة من الإمدادات في وقت سابق من ذلك اليوم. وهي تعتمد على المساعدات الخيرية من جيرانها الجدد. ولكنها لا تزال على قيد الحياة على الأقل، وبصحة جيدة إلى حد ما.
ومنزلها الجديد الآن هو سقيفة متداعية مصنوعة من زوج من الشراشف المبقعة المربوطة معا باستخدام العصي. وتتقاسمها مع من تبقى من أفراد عائلتها. وعلى مسافة قريبة، يمكن سماع ناجين آخرين من الزلزال وهم يصرخون ألما في مستشفى متنقل. ويتم إجراء الجراحة في الميدان باستخدام معدات بدائية والمورفين نادر. وقد توفي عديد من الجرحى بسبب نقص الإمدادات الطبية.
ومثل مئات الآلاف من سكان هاييتي، تنتظر بصبر عملية إنقاذ تبين أنها بطيئة للغاية. وقال المسؤولون في برنامج الغذاء العالمي أنه بعد أسبوع من الزلزال، تلقى 200 ألف شخص عبوات مواد غذائية من البسكويت عالي التغذية. وأسقطت المروحيات الأمريكية، التي تعمل من حاملة طائلة في البحر، كميات صغيرة من الإمدادات. ووصل الجنود الكنديون، الأوائل من نحو ألفين، إلى Jacmel، المدينة التي تضررت بشدة والواقعة جنوب غرب Port-au-Prince. إلا أن المساعدات ليست حتى الآن سوى ''نقطة في بحر'' مما يحتاج إليه الناس، كما تعترف Elisabeth Byrs، المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
ويعود ذلك جزئيا إلى الحجم الضخم للكارثة - تأثر ثلث السكان البالغ عددهم تسعة ملايين وهناك الآن نحو مليون شخص مشرد. إلا أن السبب الرئيس هو أن الزلزال ضرب كل من المؤسسات من روابط النقل والاتصالات التي تعتمد عليها وكالات المساعدة عادة. لذا كان التنسيق – أي تحديد مهمة كل شخص ووقتها - بطيئا وصعبا على نحو غير معتاد. وزاد التدفق السريع لوكالات الإغاثة ذات النية الحسنة التي تتجمع الآن في ما تبقى من Port-au-Prince من الارتباك.
وتعمل حكومة هاييتي المنتخبة من مركز شرطة قريب من المطار. ويجتمع مجلس الوزراء هناك كل يوم. إلا أن هيكل الحكومة انهار تماما مثل القصر الرئاسي. وقد شلت بعثة الأمم المتحدة إلى هاييتي مع انهيار الفندق الذي كانت تتخذه مقرا لها. وتأكدت وفاة أفراد البعثة البالغ عددهم 49، بمن فيهم Hedi Annabi، رئيس البعثة المخضرم، ونائبه البرازيلي ورئيس الشرطة الكندية. ولا يزال مصير 300 شخص آخرين من موظفي الأمم المتحدة، بمن فيهم الموظفين المحليين وقوات حفظ السلام، مجهولا.
وفقدت البرازيل، التي تقود بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هاييتي منذ عام 2004م 18 جنديا - أكبر خسارة في الأرواح لقواتها المسلحة منذ الحرب العالمية الثانية. وفقدت قوة الشرطة في هاييتي، التي كانت الأمم المتحدة تدرب أفرادها، نحو نصف قوتها في Port-au-Prince، وفقا لـ Byrs. وأعيقت حركة بعض المنظمات غير الحكومية العديدة التي تعمل في هاييتي جراء أضرار الزلزال. وكان لدى مؤسسة Oxfam الخيرية البريطانية 100 موظف هناك. وقد قتل اثنان منهم، وتحول مكتبها ومستودع إمداداتها إلى ركام. وأرسلت الأمم المتحدة 50 مسؤولا مدنيا إلى هاييتي. ودعا مجلس الأمن إلى 1500 ضابط شرطة إضافي وألفي جندي إضافي من جنود حفظ السلام (قدمت البرازيل بسرعة 800).
ويعد النقل العائق الأكبر. فقد تولت القوات الأمريكية السيطرة على المطار، وزادت سعته بسرعة إلى 100 رحلة يوميا (وإلى 153 رحلة بحلول 19 من كانون الثاني (يناير). وفي البداية، تذمرت فرنسا والبرازيل لأنه تم رفض رحلاتهم في حين تم إيجاد مهبط لطائرة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية. وتم تحويل مسار نصف الرحلات العشر التي حاولت منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية الطبية الخيرية إنزالها في Port-au-Prince، والتي كانت تحمل 85 طنا من الإمدادات الطبية وإمدادات الإغاثة. إلا أن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، والأمم المتحدة، أشادا لاحقا بالجهود الأمريكية، وقالت وزارة الخارجية البرازيلية إنه تم تحسين التنسيق.
وبحلول 19 من كانون الثاني (يناير)، وصل أكثر من 11 ألف من الجنود ومشاة البحرية والبحارة الأمريكيين إلى هاييتي (كان أربعة آلاف آخرين في طريقهم إلى هناك). وكانوا يحاولون فتح خطوط للنقل، إضافة إلى توزيع بعض المساعدات. وكان من المقرر أن يفتتحوا مطار في Jacmel في 21 من كانون الثاني (يناير)، وأن يستخدموا أيضا قاعدة جوية في San Isidro في جمهورية الدومينيك. وكانوا يأملون تشغيل الميناء مرة أخرى خلال ''أسبوع أو أسبوعين''. وفي غضون ذلك، كانت الأمم المتحدة تستخدم موانئ صغيرة في Cap-Haitien و Gonaives. وكانت الإمدادات تصل أيضا للداخل من خلال جمهورية الدومينيك.
وتتمثل الصعوبات التالية في إيصال المساعدات إلى أولئك الذين هم في حاجة إليها. فالشرايين الرئيسة في Port-au-Prince مسدودة جراء الأنقاض. وقطعت الانهيارات الأرضية الطرق إلى المدن والقرى النائية. ونفد البنزين تقريبا هذا الأسبوع. وخصصت الأمم المتحدة أربعة مواقع في العاصمة كمراكز توزيع المياه والطعام، و18 مخزنا محليا. إلا أن هذه الشبكة لا تعمل بكامل طاقتها بعد - لذا تم اللجوء إلى إسقاط المساعدات جوا. وما زاد المشكلات تعقيدا هو أن الهواتف وشبكة الإنترنت تعمل بشكل متقطع، إذا كانت تعمل أصلا.
وتمكنت فرق الإنقاذ المتخصصة التي تدفقت إلى هاييتي بأعداد قياسية من إخراج أكثر من 120 شخصا من تحت الأنقاض. إلا أن المشكلة هي أن نقص الإمدادات الطبية كانت تعني أن عددا أكبر من بين الناجين توفوا جراء إصاباتهم. وهدأت هذه المجزرة تدريجيا. وفي الـ 15 من كانون الثاني (يناير)، تولت منظمة Partners in Health الأمريكية غير الحكومية، التي تدير 12 مستشفى في المناطق الريفية في هاييتي، زمام الأمور في مستشفى General Hospital في العاصمة. وأقامت الفرق الأجنبية عدة مستشفيات ميدانية. ولكن كان لا يزال هناك نقص في بعض الأدوية. وقد قام أحد الأطباء من منظمة أطباء بلا حدود بشراء منشار من السوق لتنفيذ عمليات بتر لأطراف مصابة بالغرغرينا. ووصلت USNS Comfort، وهي سفينة مستشفى أمريكية واسعة، في الـ 20 من كانون الثاني (يناير).
ويشير Graham Mackay من Oxfam إلى أنه في معظم الكوارث الطبيعية، يتوقع أن تكون وكالات المساعدات أقامت بحلول اليوم الرابع أنظمة توزيع للطعام والمياه والمأوى المؤقت. فبعد كارثة تسونامي في آسيا، غادرت أول رحلة لمنظمة Oxfam بريطانيا مع إمدادات في غضون ثلاثة إلى أربعة أيام. وحدث هذا أيضا هذه المرة. إلا أن الفرق هو صعوبة إيصالها إلى الهايتيين اليائسن.
ويبدو أيضا أنه تم تجاهل بعض الدروس من كوارث أخرى والتي كان يمكن تطبيقها في هاييتي. وأحدها هو أن الجثث ليس بالضرورة تهديدا مباشرة على صحة الأحياء. وقال أحد المسؤولين في هاييتي أنه تم دفن نحو 70 ألف جثة على عجل في مقابر جماعية. وفي مجتمع يحترم موتاه، فإن هذا سيزيد صدمة الناجين.

في حالة ذهول تمنعهم من الشغب
وهناك درس آخر، وهو أن الناجين مذهولين جدا وضعفاء للغاية بحيث لا يمكنهم القيام بالشغب. ويبدو أن الخوف المبالغ به من حدوث اضطرابات عنيفة كان سببا آخر لكون المساعدات بطيئة. وكان بضع مئات من الناس اليائسين يكنسون الأنقاض في شارع تسوق وسط المدينة. وظهرت تقارير عن زعماء عصابات هربوا حين انهار السجن وظهروا ثانية في المدن التي تم إخراجهم منها من قبل جنود الأمم المتحدة عام 2006. ولكن بشكل عام، كانت Port-au-Prince هادئة. وكان أهل هاييتي يساعدون بعضهم بعضا. واكتظ الكثيرون على الحافلات بحثا عن ملاذ مع أقارب لهم في المناطق الريفية.
وقال السفير البرازيلي إلى هاييتي، Igor Kipman، إن قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ''سيطرت على الوضع الأمني تماما'' ولم تكن في حاجة لمساعدة القوات الأمريكية. وأكد الأمريكيون أيضا أن مهمتهم كانت تتعلق باللوجستيات. ولكن ظل هناك احتمالية الاحتكاك مع البرازيل. ''وتحاول إدارة باراك أوباما تحقيق توازن حساس عن طريق تقديم إغاثة إنسانية شاملة وفي الوقت نفسه تجنب إعطاء الانطباع أنهم يريدون الاستيلاء على هاييتي،'' كما يقول Daniel Erikson من Inter-American Dialogue، وهي منظمة فكرية في واشنطن العاصمة. وربما يكون تراكم القوات أدى إلى حالات تأخير قصيرة الأجل في شحنات المساعدات، إلا أنها ستؤتي ثمارها إذا فتحوا طرق النقل بسرعة التي لن يصل دونها أي شيء للمحتاجين. وعملية الإغاثة هذه كانت بطيئة وفوضوية على نحو غير معتاد، إلا أن الهايتيين لا يستطيعون تحمل أن تظل على هذا النحو

الأكثر قراءة