الانتشار
ويبدو العكس صحيحا فيما يتعلق بالانتعاش. فقد بدأ انتعاش الصين في وقت أبكر وكان الأكثر إثارة. وبدأ الاقتصاد الأمريكي بالنمو في منتصف عام 2009، ويبدو أنه تسارع بشكل حاد في الأشهر الأخيرة من العام. ومن المقرر أن تصدر تقديرات الناتج المحلي الإجمالي الأولية للربع الرابع في الـ 29 من كانون الثاني (يناير)، ويتوقع الكثير من المحللين أن يزيد نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.5 في المائة أو أكثر. أما الأخبار من منطقة اليورو واليابان فهي كئيبة إلى حد ما. وخرجت ألمانيا من الركود قبل أمريكا، إلا أن بعض الجهات فيها اقترحت أخيرا أن النمو انخفض ثانية إلى الصفر في الربع الرابع. ويبدو الانتعاش في اليابان في تراجع أيضا.
وقد تكون لأنماط النمو المتغيرة عواقب كبيرة على أسعار الأصول. فقد تؤدي القوة المتزايدة في الاقتصادات الناشئة مثلا إلى رفع أسعار السلع بصورة أكبر، في حين قد يؤدي الانتعاش السريع للاقتصاد الأمريكي مقارنة بالاقتصاد الأوروبي إلى تقوية الدولار أكثر مقابل اليورو. لذا يعتمد الكثير على دوافع الاختلاف، وفيما إذا كان سيدوم.
وفي أمريكا، من المرجح أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي المتزايد بواقع ربع نقطة، مدفوعا بإعادة بناء مخزونات الشركات. وسيتباطأ نمو الناتج عام 2010 - والسؤال هو: إلى أي مدى؟ ويقول المتفائلون إن كل ركود عميق يعقب الحرب يكون دائما متبوعا بانتعاش قوي وأن النمو سيكون أعلى من معدله عام 2010. إلا أن النتيجة الأكثر تشاؤما تبدو معقولة أيضا. وهناك القليل من الإشارات التي تدل على نمو الوظائف. ولا يزال هناك الكثير من تخفيض ديون الأسر في المستقبل. وهناك خطر حدوث تصحيح في البورصات.
ولكن حتى الانتعاش الأمريكي البطيء سيفوق مستواه في الاقتصادات الكبرى الأخرى. وتواجه منطقة اليورو مشكلتان مختلفتان ولكنهما مؤلمتين بالقدر نفسه. وتعاني اقتصادات الفقاعات السابقة مثل إسبانيا وإيرلندا من آثارا مؤلمة. وتعاني ألمانيا، مثل اليابان، من ضعف الطلب المحلي. ويحجم المستهلكون عن الإنفاق، وحتى الآن لم يحث نمو الصادرات المزدهر الشركات على الاستثمار، على الرغم من الآمال بحدوث العكس.
ويعتمد مدى قدرة أمريكا على التفوق على الآخرين إلى حد كبير على فيما إذا كانت الدول المختلفة ستشدد سياستها النقدية والمالية، وكيف ستفعل ذلك. وهناك الكثير من الحديث عن الانضباط المالي داخل منطقة اليورو، خاصة لأن الأسواق المالية تعاقب اقتصادات أوروبا الهامشية على إسرافها. وقد أعلنت اليونان هذا الشهر عن ضغط مالي غير مسبوق على مدى السنوات الثلاث المقبلة. إلا أن اليونان لا تسهم إلا بـ 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو، ومن غير المرجح حدوث تعزيز مالي سريع في الاقتصادات الكبيرة. ويضغط الشريك الأصغر في حكومة الائتلاف الألمانية من أجل خفض الضرائب عام 2011؛ وتحتج فرنسا بصخب على فكرة تخفيض العجز في أي وقت قريب.
إن توقعات الميزانية الأمريكية أكثر غموضا، خاصة في ضوء الفوز غير المتوقع للجمهوريين في مجلس الشيوخ في ماساشوستس. وستتوقف رزمة الحوافز الحالية عن زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي بحلول منتصف العام. وبفضل الشرط الذي ينص على وجوب أن تحقق الولايات توازن ميزانياتها، فهي تعمل بشراسة على خفض الإنفاق. وعلى الرغم من أن مجلس النواب أقر حوافز لزيادة فرص العمل بقيمة 150 مليار دولار، إلا أن مجلس الشيوخ لم يفعل هذا بعد. وإذا لم يفعل الكونجرس شيئا، فإن التخفيضات الضريبية لعهد بوش ستنتهي في نهاية العام. ويبدو هذا غير محتمل، إلا أن المأزق السياسي قد يؤدي إلى تلاشي الدفعة المالية لأمريكا على نحو حاد.
ستؤثر قرارات السياسة أيضا في القوة النسبية حالات الانتعاش في الاقتصادات الناشئة مقابل العالم الغني. وعلى الرغم من أن الطلب الخاص في الصين أصبح أقوى بكثير في النصف الثاني من عام 2009، إلا أن النمو لا يزال مدفوعا إلى حد كبير بفورة إقراض موجهة من قبل الحكومة. وهكذا فإن التوقعات قصيرة الأجل للصين تعتمد على مدى سرعة قيام الحكومة بتخفيف جنون الإقراض. وسادت هذا الأسبوع مخاوف أن يصبح تشديد الائتمان في الصين وأثرت في البورصات، إلا أن الإشارات لا تزال تدل على التشديد التدريجي جدا - والتخفيف الضئيل للنمو - في الصين وبقية العام الناشئ.
وستستمر العوامل الهيكلية القوية بتعزيز القوة النسبية للعالم الناشئ. ويشير Jonathan Anderson من UBS إلى أنه حتى إذا تم استثناء الصين والهند، فإن الاقتصادات الناشئة نمت بشكل أسرع من الاقتصادات الغنية بواقع أربع نقاط مئوية خلال الركود، أي نحو فجوة النمو نفسها التي كانت موجودة قبل الأزمة. وستواجه بعض الاقتصادات الناشئة، خاصة تلك التي اعتمدت على تمويل الديون الأجنبية، مشكلات لفترات طويلة. ويقول البنك الدولي في تقرير جديد أن الشروط المالية الأشد صرامة، بسبب تشديد الأنظمة وزيادة تجنب المخاطر، قد تؤدي إلى تخفيض نمو الدول النامية بنسبة 0.2 إلى 0.7 نقطة مئوية خلال السنوات الخمس إلى السبع المقبلة. ومع ذلك، يرجح أن يكون التأثير المحتمل على النمو في العالم الغني أكبر. ويشير استمرار القوة النسبية للاقتصادات الناشئة، خاصة الصين، إلى أن أسعار السلع ستظل مستقرة أو ثابتة. ويعني أيضا أن عملاتها سترتفع مقابل الدولار، على الرغم من أن سرعة ذلك ستعتمد، أكثر من أي شيء آخر، على قرارات الصين المتعلقة باليوان. وفي العالم الغني، ساعدت فجوة النمو المتزايدة عبر الأطلسي على دعم الدولار مقابل اليورو: فقد ارتفع بنسبة تزيد على 5 في المائة عن مستوياته المتدنية في تشرين الثاني (نوفمبر). هل سيستمر هذا الانتعاش؟ تعتمد الإجابة على مزيج السياسة المحتمل بقدر ما تعتمد على فوارق النمو الحالية. وإذا كانت جميع العوامل الأخرى متساوية، يمكن القول إن تشديد السياسة المالية يشير إلى سياسة نقدية متساهلة لفترة أطول وعملة أضعف. وهكذا فإن الانضباط المالي النسبي في أمريكا سيسهم في خفض قيمة الدولار، والعكس صحيح.
وقد يؤثر الانتعاش متعدد السرعة أيضا في الاختلالات بين فوائض الحساب الجاري وحالات العجز للدول. وقد انخفض عجز الحساب الجاري في أمريكا وفائض الحساب الجاري في الصين إلى النصف عن ذروته نتيجة للأزمة، لتصل إلى نحو 3 في المائة و 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي. وتعتمد احتمالية استمرار هذا التخفيض على أسعار النفط أولا وعلى نمط الطلب العالمي ثانيا. وسيظل مستوى الاختلالات منخفضا مع انتعاش الاقتصاد العالمي إذا كانت اقتصادات الفائض، خاصة الصين ولكن أيضا دول مثل ألمانيا واليابان، تعتمد على الطلب المحلي في حين تخفض الدول المقترضة، خاصة أمريكا، عجز ميزانياتها وتزيد نسبة ادخارها. وتنمو الاقتصادات الآن بمعدلات مختلفة. ويجب أن تنمو أيضا بطرق مختلفة