الوحش يتحرك مرة أخرى

الوحش يتحرك مرة أخرى

قبل 15 عاما، كان يبدو أنه تم التوصل إلى حل للنقاش المهم حول الحجم والدور المناسبين للدولة. وفي بريطانيا وأمريكا على حد سواء، أعلن توني بلير وبيل كلينتون عن آخر طقوس ''حقبة الحكومة الكبيرة''. وأصبحت خصخصة الشركات التي تديرها الدولة هي الموضة السائدة. واستعاد إجماع واشنطن الهيمنة: إذا أقنعت الحكومة بمفهوم السوق الحرة، سينتج عن ذلك الازدهار.
واليوم عادت الحكومة الكبيرة وتريد الانتقام: ليس فقط باعتبارها واقعا قاسيا، ولكن بوصفها أيدولوجية قوية. فمن المتوقع أن يتجاوز الإنفاق العام لبريطانيا نسبة 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وانتقلت العاصمة المالية لأمريكا من نيويورك إلى واشنطن العاصمة، وتحاول الحكومة بسط سيطرتها على صناعة الرعاية الصحية. وأصبحت الشركات الضخمة التي تديرها الدول، مثل Gazprom و PetroChina تحظى بالشعبية. ونيكولا ساركوزي، الذي ترشح لمنصب الرئاسة بوصفه النسخة الفرنسية من مارجريت تاتشر، يقول الآن إن السمة الرئيسة لأزمة الائتمان هي ''عودة الدولة ونهاية أيدولوجية العجز العام''.
تثير ''عودة الدولة'' معارضة شرسة ولكنها تجتذب الثناء أيضا. وفي أمريكا، تشعر قاعدة الحزب الجمهورية المناهضة للحكومة بانزعاج أكبر مما شعرت به في أي وقت منذ ثورة جينجريتش عام 1994. ويسير المتظاهرون المحليون في مظاهرات منظمة في جميع أنحاء البلاد حاملين مجموعة مسلية من اللافتات والأزرار، مثل ''ولدت حرا وفرضت علي الضرائب حتى الموت''. وفي 19 من كانون الثاني (يناير)، حصل الجمهوري Scott Brown على مقعد في مجلس الشيوخ عن ماساتشوستس بعد أن احتفظ به لفترة طويلة الراحل تيد كينيدي، أبرز مؤيد في أمريكا لليبرالية الحكومة الكبيرة.
وتخصص العديد من الدول الأوروبية نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العام منذ سنوات. وتنتظر العديد من الحكومات بفارغ الصبر التخلص من مهمتها الجديدة المتمثلة في إدارة البنوك وشركات السيارات. ولكن من الواضح أن العقد الماضي جلب تغييرات وضعت، إذا أخذت مجتمعة، مسألة الدولة في قلب النقاش السياسي مرة أخرى. والسبب الواضح للتغيير هو الأزمة المالية. فمع انهيار الأسواق العالمية، تدخلت الحكومات على نطاق غير مسبوق، فضخت السيولة في اقتصاداتها واستحوذت على، أو بالأحرى أنقذت، البنوك وشركات أخرى تم تقييمها بأنها ''أكبر من أن تفشل''. وبعد أشهر قليلة من انهيار Lehman Brothers، كانت الحكومة الأمريكية مسؤولة عن General Motors و Chrysler، وكانت الحكومة البريطانية تدير البنوك المهمة، وتعهدت حكومات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمبلغ يعادل 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ودحضت الأزمة الحكمة التقليدية حول المزايا النسبية للحكومات والأسواق. وفي حين كانت الحكومة، على حد قول رونالد ريجان، هي المشكلة، أصبحت السوق اليوم هي الشريرة الافتراضية. واعتذر أنصار السوق الحرة، مثل الآن جرينسبان، الرئيس السابق لمجلس الاحتياط الفيدرالي، عن حماستهم الأيدولوجية. إلا أن الدولة بدأت تحظى بالشعبية حتى قبل انهيار Lehman Brothers- حتى في بريطانيا وأمريكا، اللتين من المفترض أنها بذلتا جهودا أكبر من أي دولة لإنهاء حقبة الحكومة الكبيرة. فقد بدأ جوردن براون، المستشار البريطاني الذي أصبح لاحقا رئيس وزرائها، مسيرته الوزارية بوصفه ''السيد الحكيم''. وخلال السنوات الثلاث الأولى التي أمضاها حزب العمال في المنصب، انخفض الإنفاق العام من 40.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 36.6 في المائة. ولكنه بعد ذلك شرع في فورة إنفاق لحزب العمال القديم. فقد زاد الإنفاق على هيئة الخدمات الصحية الوطنية بنسبة 6 في المائة سنويا من حيث القيمة الحقيقية وزاد الإنفاق على التعليم. وخلال السنوات الـ 13 لحزب العمال في السلطة، كان ثلثا جميع الوظائف الجديدة مدفوعة في القطاع العام، وزادت الأجور بشكل أسرع عنها في القطاع الخاص. وفي أمريكا، لم يمر جورج بوش بمرحلة حكيمة. فقد رشح نفسه للمنصب وهو يؤمن أنه ''حين يسبب أحد ما الأذى، يجب على الحكومة أن تتحرك''. واستجاب للهجمات الإرهابية في 11 من أيلول (سبتمبر) 2001 عن طرق شن ''حرب واسعة النطاق على الإرهاب''. وكانت نتيجة استراتيجيته المتمثلة في ''البنادق والزبدة'' هي أكبر توسع في الدولة الأمريكية منذ توسع ليندون جونسون في منتصف الستينيات. وأضاف استحقاقات جديدة وضخمة من الأدوية إلى برنامج Medicare. وأنشأ أكبر بيروقراطية جديدة منذ الحرب العالمية الثانية، وهي وزارة الأمن القومي. ووسع نطاق سيطرة الحكومة الفيدرالية على التعليم والولايات. وانخفضت الفجوة بين الإنفاق العام في أمريكا والإنفاق العام في كندا من 15 نقطة مئوية عام 1992 إلى نقطتين مئويتين فقط اليوم.

مطالب الشعب
لاقى توسع الدولة في كل من بريطانيا وأمريكا تأييدا على نطاق واسع. وأشاد الحزب الجمهوري المحافظ على براون لأنه زاد الإنفاق على هيئة الخدمات الصحية الوطنية. ولم يواجه بوش معارضة كبيرة من زملائه الجمهوريين حين انغمس في فورة الإنفاق. وكان من الواضح أن الأمريكيين الذين يعيشون في الضواحي يريدون أن تكون الحكومة إلى جانبهم حين يكون الأمر في صالحهم. وإحدى اللافتات التي حملها المتظاهرون المنظمون تلخص الموقف المرتبك لعديد مما يسمى المتظاهرين المناهضين للحكومة، حيث كتب على اللافتة: ''أبعدوا يد الحكومة عن برنامج Medicare''.
وفي العقود المقبلة، سيزيد الطلب على الخدمات العامة، وذلك بسبب شيخوخة السكان. وتشير الأمم المتحدة أن نسبة الأشخاص الذين تجاوزوا 60 عاما سترتفع من 11 في المائة اليوم إلى 22 في المائة عام 2050. والوضع مخيف بصورة خاصة في العالم المتقدم: في عام 2050، سيتقاعد شخص من بين ثلاثة أشخاص في العالم الغني، وسيكون شخص واحد من أصل عشرة أشخاص أكبر من 80 عاما. وفي أمريكا، سيصبح أكثر من عشرة آلاف شخص من جيل الطفرة مؤهلين للحصول على الضمان الاجتماعي وبرنامج Medicare كل يوم لمدة العقدين المقبلين. وتشير حسابات مكتب الميزانية في الكونجرس أن الإنفاق على الاستحقاقات سيرتفع من 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي اليوم إلى 20 في المائة عام 2050. وإذا أبقت أمريكا على ضرائبها، ستواجه معركة هرمجدون مالية.
إن مستوى الإنفاق العام ليس سوى مؤشر واحد على سلطة الدولة. وتوظف الحكومة الفيدرالية في أمريكا ربع مليون بيروقراطي وظيفتهم هي كتابة وتطبيق الأنظمة الاتحادية. ولديهم أبناء عمومة في العواصم الوطنية وفوق الوطنية في جميع أنحاء العالم. وهؤلاء المنظمون هم بمثابة مضاعفات القوة: يمكن للأنظمة المصدرة من قبل البعض تغيير سلوك صناعات بأكملها. ولم تؤد المحاولات الدورية لبناء ''نيران من الأنظمة'' إلى شيء. وتحت رئاسة بوش، زاد عدد صفحات الأنظمة الفيدرالية بمقدار سبعة آلاف، وتم تأسيس ثمان من أكبر عشر هيئات تنظيمية في بريطانيا في عهد الحكومة الحالية.
وتتزايد قوة هؤلاء المنظمين باستمرار. ويضع صنّاع السياسة قواعد جديدة حول كل شيء من مبلغ رأس المال الذي يجب على البنوك وضعه جانبا إلى ما يجب فعله بشأنها حين تفشل. وتفرض بريطانيا ضرائب إضافية على علاوات المصرفيين، وتفرض أمريكا ضرائب إضافية على خصوم البنوك، ويدرس المصرفيون المركزيون سبل ذكية للتدخل في الأسواق مفرطة النشاط. وقد أدت المخاوف المتعلقة بالتغير المناخي بالفعل إلى مجموعة واسعة من الأنظمة الجديدة، مثل تلك على انبعاثات الكربون من المصانع ومحطات الكهرباء وعلى كفاءة الطاقة في السيارات والمصابيح. ولكن بما أن الانبعاثات مستمرة في التزايد، من المرجح أن تتكاثر مثل هذه الأنظمة، وتصبح أكثر صرامة في الوقت نفسه. ويمتد قانون كيري - بوكسر على انبعاثات الكربون، الذي هو الآن أمام مجلس الشيوخ، إلى 821 صفحة.
وساعد أيضا الخوف من الإرهاب والقلق بشأن تزايد الجرائم إلى تضخم الدولة. ووسعت الحكومات قدرتها على مراقبة والإشراف على السكان. وهناك في بريطانيا أكثر من أربعة ملايين كاميرا من كاميرات الدارة التلفزيونية المغلقة، أي بمعدل كاميرا واحدة لكل 14 شخصا. وفي ليفربول، لجأت الشرطة إلى استخدام طائرات آلية، مشابهة لتلك المستخدمة في أفغانستان، وذلك للإشراف على السكان. وشاركت إدارة بوش في برنامج ضخم لتسجيل المكالمات الهاتفية قبل أن تلغيه المحكمة العليا.
وهناك شكل آخر من أشكال تقدم الدولة وهو أكثر مكرا. فقد بدأت القوائم السنوية لأكبر الشركات في العالم تكشف عن أنواع جديدة من كيانات الشركات: الشركات التي تكون إمام مملوكة مباشرة للدولة أو تسيطر عليها الدولة بصورة كبيرة. وقد وصلت أربع شركات تسيطر عليها الدولة إلى أفضل 25 شركة في قائمة Forbes Global 2000 لعام 2009، ومن المرجح أن يزيد هذا الرقم. وكانت الشركات الصينية التي تسيطر عليها الدولة تشتري الشركات الخاصة خلال الأزمة المالية. ولدى الشركات الروسية الخاضعة لسيطرة الدولة سجل طويل من الاستحواذ على الشركات الخاصة بأسعار رخيصة. وأصبح لصناديق الثروة السيادية أهمية متزايدة في أسواق العالم.
ويمكن القول أن هذا جزئيا منتج لطفرة النفط. فثلاثة أرباع احتياطات النفط الخام في العالم مملوكة لشركات النفط الوطنية. (على النقيض من ذلك، تسيطر الشركات التقليدية متعددة الجنسيات على 3 في المائة فقط من احتياطات العالم وتنتج 10 في المائة من النفط والغاز فيه)، ولكنه أيضا نتيجة لشيء أكثر جوهرية: تحول ميزان القوة الاقتصادية إلى الدول التي لديها منظور مختلف تماما عن الدولة عن المنظور المنصوص عليه في إجماع واشنطن. ويشهد العالم نشوء مزيج اقتصادي جديد - يمكن تسميته ''رأسمالية الدولة''.
وفي ظل رأسمالية الدولة، لا ترفض الحكومات السوق بقدر ما تستخدمه كأداة لسلطة الدولة. فهي تشجع الحكومات على الاستفادة من أسواق رأس المال العالمية والمجازفة في الخارج بحثا عن الفرص. وتدير شركة Petronas الماليزية وشركة National Petroleum Corporation الصينية شركات في نحو 30 دولة. ولكنها تستخدمها أيضا للسيطرة على الاقتصاد في الداخل - لتوجيه الموارد نحو الصناعات المفضلة أو مكافأة العملاء السياسيين. ولا يتخذ السياسيون في الصين ومناطق أخرى قرارات متعلقة فقط بإنتاج السيارات والهواتف المحمولة، بل هم أيضا اليد الخفية وراء الشركات التي تجوب العالم بحثا عن المواد الخام التي تدخل في تصنيع تلك المواد.
وقد أثار إحياء الدولة سلسلة من النقاشات العنيفة التي ستحدد شكل صنع السياسة خلال العقود المقبلة. وبدأت الحكومات تقليل الإنفاق العام في محاولة للتعامل مع حالات العجز المتزايدة. إلا أن الخلافات المحتومة بشأن التخفيضات ستكون تافهة بالمقارنة مع الخلافات المتعلقة بنمو الاستحقاقات. ويبلغ العجز في أمريكا، الذي زاده الركود، 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما يعتمد الاقتصاد الأمريكي على استعداد الدول الأخرى (خاصة الصين) لتمويل ديونها. وتشير حسابات مكتب الإدارة والميزانية أن العجز قد يرتفع إلى 23 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأربعين عاما المقبلة إذا فشل في معالجة الخلل المتزايد بين الإيرادات والنفقات.
قد تولد الأزمات التفكير الجدي. فقد مهّد الركود التضخمي في السبعينيات الطريق أمام ثورات ريجان وتاتشر. وفي الآونة الأخيرة، تعاملت عديد من الدول مع إنفاق خارج عن السيطرة عن طريق إدخال تخفيضات كبيرة: خفضت نيوزلندا وكندا وهولندا الإنفاق العام بنسبة 10 في المائة من عام 1992 فصاعدا.
وفي أوائل التسعينيات، واجهت السويد أزمة اقتصادية نابعة من الداخل كانت بمثابة مؤشر على سمات الأزمة العالمية. وانفجرت فقاعة العقارات وتدخلت الحكومة لإنقاذ البنوك وتشجيع الطلب. وتضاعف الدين العام، وارتفع معدل البطالة ثلاثة أضعاف، في حين زاد العجز عشرة أضعاف. وتم انتخاب الديمقراطيين الاجتماعيين عام 1994 وأعيد انتخابهم مرتين بعد ذلك بسبب برنامجهم لزيادة الضرائب وخفض الإنفاق.
ويشير هذا إلى مفارقة: قد تؤدي الأزمة التي تشجع نمو الدولة على المدى القصير إلى عملية تشذيب على المدى الطويل. وفي بريطانيا، من شبه المؤكد أن تتحول السلطة من حزب العمال إلى المحافظين، الذين هم أكثر حرصا على تخفيض الإنفاق العام. وفي أمريكا، سيحقق الجمهوريون مكاسب كبيرة في انتخابات منتصف المدة، وسيكون على أوباما، الذي أفاق للتو من خسارته في ماساشوستس، الانتقال إلى الوسط.
إلا أن التشذيب سيظل أكثر صعوبة مما كان عليه في أي وقت مضى. فإقناع القطاع العام بفعل ''المزيد بموارد أقل'' أمر أكثر صعوبة بعد عقدين من إصلاحات القطاع العام. وفي جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يوفر القطاع الخاص أكثر من 40 في المائة من السلع العامة (بفضل الخصخصة والتعاقد مع جهات خارجية) ويعمل 75 في المائة من الموظفين العموميين بناء على مخطط الأجر حسب الأداء. وشيخوخة السكان تجعل الإصلاحات المبكرة تبدو سهلة. ويتعين على الحكومة أن تسأل أسئلة جوهرية - مثل ما إذا كان من المنطقي السماح للناس بالتقاعد في سن 65 عاما حين يكون من المرجح أن يعيشون لمدة 20 عاما أخرى.
إن نشوء رأسمالية الدولة أمر محفوف بالمشكلات. وقد يكون من الصعب تفنيد النمو الاقتصادي الهائل للصين على مدى 30 عاما واحتياطياتها من العملة الأجنبية البالغة 2.3 تريليون دولار. إلا أن إخضاع القرارات الاقتصادية للقرارات السياسية قد يكون لها ثمن على المدى الطويل: لا يرغب السياسيون في السماح للشركات ''الاستراتيجية'' بأن تفشل، وأصبحت الشركات ملحقة بآلة رعاية الدولة. ومنح موافقة الدولة للشركات العالمية أمر محفوف أيضا بالمخاطر. وقد منع الكونجرس الأمريكي دبي من الاستحواذ على الموانئ الأمريكية لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

تحليل الفشل
ستزن الحجج الأكثر إثارة للاهتمام على مدى السنوات القليلة المقبلة فشل الحكومة مقابل فشل السوق. وكانت مدرسة فشل السوق قد بدأت تكتسب القوة حتى قبل أزمة الائتمان. ونشوء رأسمالية رعاة البقر في روسيا في ظل بوريس يلتسين أقنع الكثيرين - خاصة الصين - بأهمية الحكومة القوية. كما أن خطر الاحتباس الحراري مثال واضح على مدى أهمية التدخل الحكومي لمنع الناس من رفع درجة حرارة العالم. ويقدم أنصار فشل السوق أيضا مجموعة واسعة من الحجج لاستخدام الحكومة ''لدفع'' سلوك الناس في الاتجاه الصحيح. إلا أن حقيقة أن الأسواق عرضة أحيانا لفشل كبير لا تعني أن الحكومات محصنة ضدها. والإدارات الحكومية بارعة في توسيع امبراطورياتها. وهكذا فإن دولة الرفاه المصممة لمساعدة الناس على التعامل مع المخاطر التي لا يمكن تجنبها، مثل المرض والشيخوخة، تحاول دائما القضاء على المخاطر بشكل عام من خلال انتشار بيروقراطية الصحة والسلامة. وموظفو الحكومة بارعون أيضا في حماية مصالحهم الخاصة. وفي أمريكا، حيث 30 في المائة من الناس في القطاع العام ينتمون إلى نقابات مقارنة بنسبة 7 في المائة فقط في القطاع الخاص، يتمتع عمال القطاع العام بحقوق تقاعد أفضل من موظفي القطاع الخاص، وكذلك متوسط أجور أعلى.
ويتعرض القطاع العام إلى جميع أنواع الحوافز الضارة. فالسياسيون يستخدمون الأموال العامة ''لشراء'' الأصوات. وأمريكا مليئة بالممتلكات القيمة مثل مطار جون مورثا في Jonestown في بنسلفانيا، الذي يكلف مئات الملايين من الدولارات ولكنه لا يخدم سوى القليل من المسافرين، بمن فيهم مورثا، الذي هو أيضا رئيس لجنة قوية في الكونجرس. وتنفق جماعات المصلحة بتبذير في محاولة للتأثير في القرارات السياسية: هناك 1800 شخص مسجل في جماعات الضغط في الاتحاد الأوروبي، وخمسة آلاف في كندا، وما لا يقل عن 15 ألفا في أمريكا. وقد تأثر مشروع قانون الطاقة لجورج بوش كثيرا بأفراد جماعات الضغط إلى درجة أن جون ماكين لقبه قانون ''عدم التخلي عن أي فرد من جماعات الضغط''.
وتعني هذه الحوافز الضارة أنه يمكن للحكومة أن تنفق مرارا كثيرا من المال دون إحداث أي تحسينات في الخدمات العامة. وقد ضاعفت الحكومة البريطانية الإنفاق على التعليم بين الأعوام المالية 1999 و2007، إلا أن فورة الإنفاق تزامنت مع انخفاض كبير في مكانة بريطانيا في تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للأداء التعليمي. وتشير حسابات Bill Watkins من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرة أنه حين يتم التعديل حسب التضخم والنمو السكاني، نجد أن حكومة ولايته أنفقت أكثر بنسبة 26 في المائة عام 2007/08 عنها عام 1997/98. ولا يمكن لأحد القول إن الخدمات العامة في كاليفورنيا أفضل الآن بنسبة 26 في المائة

الأكثر قراءة